وهذا المنهج الذي سار عليه الطبري في قبول القراءة أو نقدها منهج علميُّ معتبر عند غيره، وقد أفاض في بيان ذلك الباحث (زيد بن علي مهارش) المحاضر بكلية المعلمين بجيزان في رسالته الماتعة (منهج ابن جرير الطبري في القراءات وضوابط اختيارها في تفسيره) تحت باب بعنوان (ضوابط اختيار القراءة عند الطبري).
ولولا خشية الإطالة لذكرت لك من عبارات العلماء ما تواطأت مع عبارته في اعتبار هذه الشروط الثلاثة.
ولأجل صحة الرواية ردَّ قراءة ابن عامر ولم يقبلها، وقد علل لذلك فقال: ((وقد زعم بعضهم أن عبد الله بن عامر أخذ قراءته عن المغيرة بن أبي شِهاب المخزومي وعليه قرأ الْقُرْآن، وأن المغيرة قرأ على عثمان رضي الله عنه.
وهذا غير معروف عن عثمان، وذلك أنا لا نعلم أن أحدا ادعى أنَّ عثمان أقرأه الْقُرْآن، بل لا نَحْفَظ عنه من أحرف الْقُرْآن إلا أحرفا يسيرة، ولو كان سبيله في الانتصاب لأخذ القرآن على من قرأ عليه السبيل التي وصفها الراوي عن المغيرة بن أبي شهاب ما ذكرنا، كان لا شك قد شارك المغيرة في القراءة عليه والحكاية عنه غيره من المسلمين، إما من أدانيه وأهل الخصوص به، وإما من الأباعد والأقاصي، فقد كان له من أقاربه وأدانيه من هو أمس رحماً، وأوجب حقا من المغيرة، كأولاده وبني أعمامه ومواليه وعشيرته من لا يحصي عدده كثرة، وفي عدم مدعي ذلك عن عثمان الدليل الواضح على بطول قول من أضاف قراءة عبد الله بن عامر إلى المغيرة بن أبي شهاب، ثم إلى أن أخذها المغيرة بن أبي شهاب عن عثمان قراءة عليه.
وبعدُ، فإنَّ الَّذِي حكى ذلك وقاله رجل مجهول من أهل الشام لا يعرف بالنقل في أهل النقل، ولا بالْقُرْآن في أهل الْقُرْآن، يقال عراك بن خالد المري، ذكر ذلك عنه هشام بن عمار، وعراك لا يعرفه أهل الآثار ولا نعلم أحدا روى عنه غير هشام بن عمار.
وقد حدثني بقراءة عبد الله بن عامر كلها العباس بن الوليد البيروتي وقال حدثني عبد الحميد بن بكار عن أيوب بن تميم عن يحي بن الحارث عن عبد الله بن عامر اليحصبي أن هذه حروف أهل الشام التي يقرءونها.
فنسب عبد الله بن عامر قراءته إلى أنها حروف أهل الشام في هذه الرواية التي رواها لي العباس بن الوليد، ولم يضفها إلى أحد منهم بعينه، ولعله أراد بقوله: إنها حروف أهل الشام أنه قد أخذ ذلك عن جماعة من قرائها، فقد كان أدرك منهم من الصحابة وقدماء السلف خلقا كثيرا، ولو كانت قراءته أخذها كما ذكر عراك بن خالد عن يحي بن الحارث عنه عن المغيرة بن أبي شهاب عن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن ليترك بيان ذلك إن شاء الله تعالى مع جلالة قدر عثمان، ومكانه عند أهل الشام، ليُعَرِّفهم بذلك فضل حروفه على غيرها من حروف القراء)). نقلاً عن مقال للشيخ أحمد بن فارس السلوم في ملتقى أهل الحديث.
وقال أبو عمرو الداني في كتاب جامع البيان (مخطوط / لوحة 28): ((وقد كان محمد بن جرير الطبري فيما أخبرنا الفارسي عن عبد الواحد بن عمر عنه يضعِّف اتصال قراءة ابن عامر ويُبْطِل مادتها من جهتين:
إحداهما: أن الناقل لاتصالها مجهول في نقلة الأخبار …في حملة القرآن وهو عراك بن خالد المقرئ، وأنه لم يرو عنه غير هشام بن عمار وحده.
والثانية: أن أحدًا من الناس لم يَدَّعِ أن عثمان أقرأه القرآن، قال: ولو كان سبيله في الانتصاب؛ لأخذ القرآن على من قرأه عليه السبيل التي وصفها الراوي عن المغيرة، كان لا شك قد شارك المغيرة في القراءة عليه والحكاية عنه غيره من المسلمين؛ إما من دانيه وأهل الخصوص، وإما من الأباعد منه والأقاصي، فقد كان له من أقاربه وأدانيه من هو أمس به رحما وأوجب حقا من المغيرة؛ كأولاده وبني أعمامه ومواليه وعشيرته، ومن الأباعد من لا يُحصى عدده كثرة.
وفي عدم مدعي ذلك على عثمان ـ رضي الله عنه ـ الدليلُ الواضحُ على بُطُولِ قولِ من أضاف قراءة عبد الله بن عامر إلى المغيرة بن شهاب، ثم إلى أن أخذها المغيرة عن عثمان قراءة عليه)) انتهى.
¥