تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما القصة، فقد ذكرها غيره، وهم كثير، ومن رواياتها:

قال الطبري (ت: 310):» حدثني محمد بن سعد قال ثني أبي قال ثني عمي قال ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله: (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) قال: إن داود قال: يا رب قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لوددت أنك أعطيتني مثله.

قال الله: إني ابتليتهم بما لم أبتلك به، فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به وأعطيتك كما أعطيتهم.

قال: نعم.

قال له: فاعمل حتى أرى بلاءك.

فكان ما شاء الله أن يكون، وطال ذلك عليه، فكاد أن ينساه، فبينا هو في محرابه، إذ وقعت عليه حمامة من ذهب، فأراد أن يأخذها، فطارت إلى كوة المحراب، فذهب ليأخذها، فطارت، فاطَّلع من الكوة، فرأى امرأة تغتسل، فنَزل نبي الله من المحراب، فأرسل إليها، فجاءته، فسألها عن زوجها وعن شأنها، فأخبرته أن زوجها غائب، فكتب إلى أمير تلك السرية: أن يؤمره على السرايا؛ ليهلك زوجها، ففعل، فكان يصاب أصحابه وينجو، وربما نُصروا، وإن الله عز وجل لما رأى الذي وقع فيه داود أراد أن يستنقذه، فبينما داود ذات يوم في محرابه إذ تسوَّر عليه الخصمان من قِبَلِ وجهه، فلما رآهما وهو يقرأ فزع وسكت.

وقال: لقد استُضعفت في ملكي حتى إن الناس يستورون علي محرابي.

قالا له: لا تخف، خصمان بغى بعضنا على بعض، ولم يكن لنا بُدٌّ من أن نأتيك، فاسمع منا.

قال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أنثى، ولي نعجة واحدة، فقال: أكفلنيها؛ يريد أن يُتَمِّمَ بها مئة، ويتركني ليس لي شيء، وعزني في الخطاب.

قال: إن دعوتُ ودعا كان أكثر، وإن بطشتُ وبطش كان أشد مني، فذلك قوله: (وعزني في الخطاب).

قال له داود: أنت كنت أحوج إلى نعجتك منه (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) إلى قوله: (وقليل ما هم)، ونسي نفسه، فنظر الملكان أحدهما إلى الآخر حين قال ذلك، فتبسم أحدهما إلى الآخر، فرآه داود، وظن أنما فُتِنَ، فاستغفر ربه، وخَرَّ راكعًا، وأناب أربعين ليلة حتى نبتت الخضرة من دموع عينيه، ثم شدد الله له ملكه «. [تفسير الطبري، ط: الحلبي (23: 146)]

هذه أخفُّ الروايات في شأن هذا الابتلاء الذي أصيب به داود عليه السلام، وهي كما ترى فيها ما فيها.

وورد في الروايات الأخرى أنَّ الرجل قُتِلَ في الغزو بسبب طلب داود من أمير حربه أن يجعله ممن يتقدمون بالتابوت؛ لأنَّ من يتقدم به لا يجوز له أن يفر حتى يموت أو يضعه بين يدي العدو وينجو، وإن كان الغالب على حملة التابوت الموت.

فلما تقدم الرجل بالتابوت كان ممن مات، فلما انتهت عِدَّةُ امراته تقدم إليها داود عليه السلام فتزوجها.

حاشية: [ينظر ـ على سبيل المثال ـ في هذه القصة: تفسير الطبري، ط: الحلبي (23: 147 ـ 150)، ويلاحظ أن الرواية الإسلامية لهذه الإسرائيلية قد خلت من البهتان الذي ألصقته يهود بنبي الله داود من أنه زنى بالمرأة ـ والعياذ بالله ـ وزوجها في الغزو، ثم أنه

قدمه في حملة التابوت ... القصة.

فهذا من البهتان العظيم الذي يستحيا من ذكره في حقِّ أصفياء الله، وإنما أوردته لأنه يُظهِر أن الذين نقلوا الإسرائيليات لم ينقلوا كل ما فيها من البهتان، والله أعلم.]

وهذا الخبر مشهور في بني إسرائيل، وهو في أسفارهم كما هو مروي عن السلف، لكن من دون ذكر اتهامه عليه السلام بشنيعة الزنا، وظاهر أن السلف تلقوه منهم، وأنهم لم يذكروا هذه التهمة الباطلة.

وجائز أن يكون للقصة أصل صحيح، لكن زيد عليها زيادات أبعدتها عن الصحة، وليس ذلك بغريب على أمة قتلت الأنبياء وكذبت عليهم، هذا فضلا عن تقادم العهد، وعدم تدوين مثل هذه الأخبار وقت وقوعها ولا بُعيده، مما يعطي فرصة لدخول مثل هذه التفاصيل الغريبة.

ولو أُخِذَ الأمر على أنه أراد أن تكون هذه المرأة زوجةً له، وأنه تمنى أن لو قُتِلَ زوجها في سبيل الله، ولكن الله لم يقدِّر له الموت، كما هو ظاهر الرواية السابقة عن ابن عباس (ت: 68)، فأرسل الله له الملائكة على صورة المختصمين في أمر النِّعاج ـ وهي إشارة للزوجات ـ ليُبَيِّنوا له ما وقع فيه من الخطأ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير