تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكن صاحب النعجة رجل مُتَعَنِّتٌ، ضيِّق الفهم، فركب رأسه ورأى أنَّ في هذا تجنٍ عليه، ومضايقة له في نعاجه، وكان رجلاً خَصِمًا، فخاصم، وكان هو المتحدث عند داود عليه السلام، فانطلق في الشكاية، وأظهر أنه صاحب حقٍّ، مع أن صاحبه يريد أن يَبَرَّه، ولم يزد عن قوله: أكفلنيها، ولكنه زعم أن صاحب النعاج قد غلبه في الخطاب والمخاصمة.

ثمَّ تكلَّم داود مستعجلاً في الحكم في القضية قبل أن يسمع حجة الرجل الآخر، فقال: (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ) ص: 24، وبهذا الاستعجال، وعدم سماع الخصم الآخر، وقع داود في ما يستحق عليه المعاتبة، ثم استدرك عجلته في القضية، فأدرك أنها الفتنة التي اختبره الله بها، فاستغفر ربه، وخر راكعً منيبًا لربه.

ثم قال الله معقبًا على قضية الخصوم: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ص: 26، فالمقدمة للقصة، وتضاعيفها وتعقيبها كله في الحكم والقضية، ولا يظهر لأمر المرأة شيء، فقد جاءت المقدمة منوهةً بما أعطى الله داود من الحكمة وفصل الخطاب في قوله تعالى: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) ص: 20، ثم ذكر بعدها قضية الخصوم الذين تسوروا المحراب، ثمَّ عقَّب بتذكير داود بأن الله جعله خليفة في الأرض وأمره له بأن يحكم بين الناس بالحق، هذا هو ظاهر الآيات، والله أعلم بالصواب.

مسائل تتعلق بالإسرائليات:

أولاً: تعليق الأمر بالإسرائيلية دون راوي الإسرائيلية.

إن الخبر الغيبي إذا كان مرتبطًا بقصص بني إسرائيل على سبيل الخصوص، فإن الأولى أن يقال فيه: فيه شبه الخبر الإسرائيلي، حتى يتوقف فيه، دون أن يكون التعليق على راوي الخبر، فلا يقال: يتوقف فيه لأنه من رواية ابن عباس (ت: 68)، وهو مشهور بالأخذ عن أهل الكتاب؛ لأن هذا يلزم منه التوقف في كل خبر غيبي يرويه ابن عباس (ت: 68)، إذ سيقال: يتوقف في هذا النقل؛ لأن ابن عباس (ت: 68) يروي عن بني إسرائيل، وعند التحقيق لا تجد الأمر كذلك.

والوارد عن الصحابة له خصوصية، كما قال شيخ الإسلام (ت: 728):» ... وما نُقِل في ذلك عن الصحابة نقلاً صحيحًا، فالنفس إليه أسكن مما نُقِل عن بعض التابعين؛ لأن احتمال أن يكون سمعه ومن النبي صلى الله عليه وسلم أو من بعض من سمعه منه أقوى، ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين، ومع جزم الصحابي بما يقوله، كيف يقال: إنه أخذه عن أهل الكتاب، وقد نُهوا عن تصديقهم «. [مقدمة في أصول التفسير، تحقيق: عدنان زرزور (ص: 58)]

وابن عباس (ت: 68) قد اشتهر أخذه عن بني إسرائيل، وصحَّ عنه بعض الأمور الغيبية، فلو عُمِلَ بهذه القاعدة لما قٌبِلَ قوله فيها، ولكنَّ الأمر على خلاف ذلك، فقد قُبِلَ قوله، وأُخِذَ به، ومن ذلك ما ورد عنه في الكرسي، قال عبد الله بن احمد بن حنبل: حدثني أبي، نا ابن مهدي، عن سفيان، عن عمار الدُّهْنِي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره «. [السنة (2: 454)، وقد روي في غير ما كتاب من كتب السنة]

فإذا أعملت هذه القاعدة، وهي أن من عُرِفَ بالأخذ عن بني إسرائيل، وكنت ممن ظهر له أن ابن عباس (ت: 68) قد أخذ عنهم، فإنك ستتوقف في دلالة هذا الخبر، وهذا ما لم يعمل به أهل السنة، بل تلقوا خبره بالقبول، وأثبتوا به هذه العقيدة التي يتضمنها الخبر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير