وإنني من خلال قراءتي في هذا الموضوع وما يدور حوله = أحسُّ بأن الموضوع بحاجة ماسَّة إلى متخصصين يتخصصون فيه؛ لأن تاريخ منطقتنا العربية ولغاتها القديمة من جزيرتها وعراقها وشامها ومغربها قد كُتِب بأيدي أناس خارجين عن المنطقة وليس لهم علم بلغتها، هذا على أحسن الأحوال، وإن كان كثيرٌ ممن كتب في ذلك لا يخلو من تزيييف متعمد من توراتيين يهود أو مستشرقين، والاستدلال لهذه المسألة يطول، وهو يصلح أن يكون بحثًا أكاديميًّا لمن يكون متخصصًا في الآثار أو اللغة أو التاريخ، فهذه المجالات الثلاثة لا يستغني الدارسون فيها عن بعضهم البعض.
ولئلا يطول الموضوع أُلمح إلى بعض القضايا المتعلقة بهذا المصطلح، فأقول:
1 ـ لا ريب أن المصدر الوحيد لهذه التسمية (وكذا تقسيم الشعوب) هو أسفار بني إسرائيل، وهي ـ كما لا يخفاك ـ ينقصها التوثيق، ولا تصلح لأن تكون المصدر الوحيد فقط.
وقد ورد في كتاب (مدخل إلى الكتاب المقدس، تأليف جماعة من النصارى، إصدار دار الثقافة) (ص: 23): ((كاتب التكوين مجهول، لكن العهد الجديد يدلنا ضمنًا على أن كاتبه هو موسى، ولم يعترض أحد على هذا المفهوم حتى العصر الحديث .. كما لا نعرف كيف كُتب هذا السفر، لكن من المعقول أن نرى موسى كمحرر استطاع أن يضم عددًا كبيرًا من القصص والحقائق التي قد يكون بعضها قد أصبح شائعًا قبل تاريخ تدوينه)).
وهذا الكلام فيه من الضعف والسقطات ما يُغني عن التعليق عليه.
2 ـ أن سفر التكوين يذكر أمرًا يتعلق بامتياز سام على ابني نوح الآخرين (يافث وحام)، فصار سام هو المقدَّم عند اليهود، وينسبون أنفسهم إليه.
3 ـ أن جميع الشعوب ـ كما في أسفارهم ـ قد خرجت من أبناء نوح عليه السلام.
4 ـ أن الناس كانوا على لغة واحدة، حتى بنوا أرض بابل، فكان ما كان من بلبلة الله لألسنتهم ـ كما تزعم هذه الأسفار ـ، وذلك بعد فترة من عيش أبناء أحفاد أولاد نوح.
وبعد هذه النقاط المأخوذة من أسفارهم يقع سؤال؟
لماذا نُسِبت اللغة وهذه الشعوب إلى سام، وقد وقع تبلبل ألسنة الناس؟
كيف عُرِفت هذه اللغات، وكيف أمكن الناس أن يتفاهموا عليها؟!
هل اللسان الذي كان يتكلم به الناس قبل البلبلة المزعومة هو اللسان السامي؟!
إذا كان اللسان هو السامي، فأين إخوة سام، ولم لم تُنسب إليهم لغات؟ لماذا أُهملوا كل هذا الإهمال؟!
أين نوح عليه السلام، ولم لم تكن نسبة اللسان إليه بدلاً من سام؟
هل يُنسب الأب إلى لغة ابنه كما وقع في كتاب (قاموس الكتاب المقدس)، فقد ورد فيه (ص: 982): ((نوح: اسم سامي معناه: راحة)).
ليس هناك إلا الافتراض والتحكُّم، والتحكُّم لا يعجز عنه أحدٌ.
ولعلك تتساءل: أين أخبار بني نوح في أسفار بني إسرائيل؟
لا عليك، فإن الأسفار إنما هي أسفار بني إسرائيل، ولا شأن لها بغير أخبارهم، وإن كانوا ساميين ـ على زعمهم ـ فهم قد خرجوا من دائرة الاصطفاء الذي يزعمون أنه صار في سام وأولاده، ثم اختير من أولاده إبراهيم، ثم اختير من أولاد إبراهيم إسحاق، ثم في يعقوب وأبنائه، وعليهم وقف الاصطفاء فلم يتغير ولم يتبدل كما يزعمون، لذا قلَّ أن تجد خبرًا عن غيرهم في أسفارهم، كما أنك تجد أنه بعد ذكر نوح وأبنائه انتقل الحديث إلى إبراهيم دون ذكر ما كان بينهما من التاريخ الطويل، فياللعجب كيف أغفلوا تاريخ أجدادهم؟!
وانظر ما يقوله مؤلفو كتاب (مدخل إلى الكتاب المقدس) عن سفر التكوين (ص: 23): ((أهمية سفر التكوين: ... ويتحدث سفر التكوين عن بداية العالم والإنسان والمجتمع والعائلات والأمم، وبداية الخطيئة والخلاص، وبصفة خاصة هو يتكلم عن بداية نشأة الجنس العبراني)).
أقول: كم يمثل الجنس العبراني من بين تلك الشعوب التي ذكروها؟ ولماذا أهملوا كل الأجناس، واعتنوا بهذا الجنس القليل جدًّا، ألا يدل هذا على أنهم لا يرون غيرهم، وأنهم هم أصحاب الامتياز؟
إن الموضوع طويل جدًّ، ولا يكفي أن أقرر لك ما يتعلق به في مثل هذا المقال، لكن ألفت نظرك إلى بعض الأمور، منها:
1 ـ إن وجود الأخطاء والتحريفات والكذب في أسفار اليهود واضح وضوح الشمس في رائعة النهار، ولا ينكر ذلك إلا مكابرٌ.
¥