تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا مثال للوقف الشنيع الذي يخرج بكتاب الله وآياته عن الفهم الصحيح الواجب لها. ولو اكتفى القارئ بالوقوف على رأس الآية (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) لكفى وشفى، لكنها الرغبة الذميمة في إظهار طول النَفََس، وفتنة الخنوع بما يظهره الغوغاء من الإعجاب والتصايح والتواجد. وصدق الله تعالى حين وصف جهلاء مكة وعبادتهم الزائفة فقال: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) [الأنفال: 35].

2. وقرأ قارئ شهير قوله تعالى في سورة القصص: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقصًّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين) [القصص: 25]. فوقف القارئ الشهير عند قوله تعالى (تمشي) واستأنف القراءة متفنناً هكذا: (على استحياء قالت ... ).

والقارئ الشهير هنا لم يفرّق بين نوعين من الوقف: الوقف التام والوقف الكافي. فالوقف التام غالباً ما يكون في الفواصل ورؤوس الآي. كقوله تعالى: (وأولئك هم المفلحون) [البقرة: من الآية 5]، ثم يبتدئ فيقول: (إن الذين كفروا) [البقرة: من الآية 6]، وكذلك قوله تعالى: (وجعلوا أعزة أهلها أذلة) [النمل: من الآية 34]. فيقف القارئ عليها وهذا وقف تام، ثم يبدأ فيقول: (وكذلك يفعلون) [النمل: من الآية 34] لأن هذه الجملة الأخيرة من كلام الله تعالى، أما كلام بلقيس فنهايته (أذلة).

فالوقف التام هو الذي يحسن القطع عنده والابتداء بما بعده، لأنه لا يتعلق شيء مما بعده به، أما الوقف الكافي فيحسن القطع عنده أيضاً والابتداء بما بعده، غير أن ما بعده متعلق به تعلقاً معنويّاً لا لفظيّاً، كما لو قرأ قارئ قوله تعالى: (حُرّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً) [النساء: 23] ثم وقف على قوله تعالى: (حُرّمت عليكم أمهاتكم) ثم ابتدأ بما بعدها لأن ذلك كله معطوف بعضه على بعض.

وهناك أنواع قبيحة من الوقف قد يخرج القارئ بها عن دين الإسلام لو تعمد ذلك الوقف كما ذهب إلى ذلك أبو عمرو الداني في كتابه "المكتفى" كما لو وقف هكذا (قال رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون وأخي هارون) [القصص: 33 - 34]، أو لو وقف هكذا (إن الله لا يهدي ... ) [غافر: من الآية 28]. لكن إذا نقطع نَفَسه وجب عليه أن يرجع إلى ما قبله مرة أخرى ويصل الكلام بعضه ببعض.

وفي المثال السابق الذي وقف فيه القارئ على قوله تعالى: (على استحياء) هذا وقف كافٍ، ولكن الابتداء يجب أن يكون من قوله تعالى (قالت إن أبي يدعوك ... ) لكنه لو أعاد فقال (على استحياء قالت إن أبي يدعوك ... ) يكون قد جعل الجار والمجرور (على استحياء) متعلقاً بالقول، وتعلق الاستحياء إنما هو بالمشي لا بالقول. وقد ضعف الابتداء بهذه الطريقة الإمام النيسابوري والشيخ محمود خليل الحصري وغيرهما.

3. وقرأ قارئ شهير من سورة لقمان قوله تعالى: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) [لقمان: 13] فوقف على قوله تعالى: (لا تشرك) ثم ابتدأ هكذا (بالله إن الشرك لظلم عظيم) وقد استنكر هذا الوقف الإمام السيوطي رحمه الله في "الإتقان" فذهب إلى أن أكثر الأقسام [جمع قسم بفتح القاف والسين] في القرآن الكريم المحذوفة الفعل لا تكون إلا بالواو مثل قوله تعالى: (والفجر) [الفجر: 1] وقوله تعالى: (والضحى) [الضحى: 1] فإذا ورد الفعل الدال على القسم جاء القسم بالباء بدل الواو كما في قوله تعالى: (وأقسموا بالله) [النور: من الآية 53] وقوله تعالى: (فلا أقسم بالشفق) [الانشقاق: 16] ومن ثم كان من الخطأ الوقوف على قوله تعالى: (يا بني لا تشرك) ثم البدء بما يوحي بالقسم (بالله إن الشرك لظلم عظيم). وكذلك من وقف على قول السيد المسيح عليه السلام (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي) [المائدة: من الآية 116]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير