تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد قوى ذلك عند العلماء رحمهم الله تعالى أن رؤوس الآي مقاطع في أنفسهن، وأكثر ما يوجد التام فيهن، حتى كان جماعة من العلماء يستحبون () القطع عليهن وإن تعلق كلام بعضهن ببعض، وهذا عندهم ما لم يشتد التعلق فيتغير بالوقف المعنى؛ وبناء على هذا حكى ابن النحاس عن بعض النحاة تفضيل الوقف على: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} () وإن تعلقت بما بعدها لأنها رأس آية ()، لكن هذا الوقف على: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2)، لم يشتد فيه تعلق الآية بما بعدها، ولم يتغير المعنى أو يقبح بالوقف، فهو إما وقف تام عند بعض علماء الوقف على تقدير جعل ما بعدها:

وهو: ((الذين)) في موضع رفع على الابتداء أو خبرا لمبتدأ محذوف تقديره: (هم الذين) أو في موضع نصب بمحذوف: تقديره: أعني. فلا تعلق له من جهة الإعراب بـ ((المتقين)). وإما أنه وقف حسن إذا كان نعتا (للمتقين). وهو أولى.

ويقاس على هذا غيره مما يطول جدا الكلام عليه من رؤوس الآي التي يحسن الوقف عليها.

ثم إنه ليس في الحديث - فيما ظهر – دلالة على مداومة النبي على ذلك، بل هناك ما يدل على خلاف ذلك، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان من شأنه المداومة على ذلك ولو غالبا فإنه لابد أن ينقل إلينا ذلك من غير طريق ابن أبي مليكة، فلما لم نجد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا من غير طريق ابن أبي مليكة، علمنا أنه لم يكن من شأنه صلى الله عليه وسلم مراعاة ذلك على الدوام، قال الإمام الجعبري: (وهم فيه من سماه وقف السنة لأن فعله صلى الله عليه وسلم إن كان تعبدا فهو مشروع لنا وإن كان لغيره فلا) اهـ. ()

يعني إن كان وقفه لأن المعنى يتم عندهن في الغالب، أو لمعنى آخر كبيان رأس الآية.

ولهذا فإن أكثر القراء صاروا إلى مراعاة المعنى، وإن لم يكن رأس آية كما نقله عنهم الزركشي رحمه الله تعالى فإنه قال: (واعلم أن أكثر القراء يبتغون في الوقف المعنى وإن لم يكن رأس

آية) اهـ. ()

وإليه يشير قول السخاوي: (وأجاز جماعة من القراء الوقف على رؤوس الآي عملا بالحديث) اهـ. ()

وفي كلام الداني رحمه الله تعالى إشارة إلى ذلك لأنه حكى الوقف على رؤوس الآي عن جماعة من الأئمة السالفين والقراء الماضين (). وكل هذا يدل على أن أكثرهم لم يره، وهو الذي يدل عليه تصرف علماء الوقف في كتب الوقف والابتداء. () فإنهم يجعلون رؤوس الآي وغيرها في حكم واحد من جهة تعلق ما بعدها بما قبله وعدم تعلقه، ولذا كتبوا (لا) فوق الفواصل كما كتبوه فوق غيرها ().

ومع أن أكثر القراء إنما يراعون المعاني، فهم يقفون لمراعاتهم المعاني على رؤوس الآي غالبا؟ لأنهن في الغالب مقاطع ينتهي إليهن المعنى كما تقدم.

ولابد من تقييد القول بأن الوقف على رؤوس الآي سنة بما لا يفسد المعنى ولا يحيله عن وجهه لأنا نعلم أن ذلك مستثنى ضرورة من هذا الإطلاق، فإن من الفواصل ما لا يصح الوقوف عليه لفساد المعنى بذلك وذلك خلاف ما أمر الله به من تدبر القرآن، قال السخاوي رحمه الله:

(إلا أن من الفواصل مال لا يحسن الوقف عليه كقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّين} َ (الماعون:4) لأن المراد فويل للساهين عن صلاتهم، المرائين فيها، فلا يتم المعنى إلا بالوصل وليس الوقف على قوله: ((والضحى)) كالوقف على ما جاء في الحديث) اهـ. () قلت لأن: (وَالضُّحَى) (الضحى:1) رأس آية و تعلقها بما بعدها من أقسامٍ وجوابِ قَسَمٍ قويّ. وأمثال ((والضحى)) من الآيات التي يقوى تعلقها بما بعدها كثير مثل قوله تعالى: (وَالطُّورِ) (الطور:1) و (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (قّ:1) ولذا فقد جعل علماء الوقف والابتداء الوقف على المواضع التي يشتد تعلقها بما بعدها

قبيحا مع كونها رؤوس آي،كقوله تعالى: {فويل للمصلين} ().

و كقوله تعالى: {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون} (). فلو وقف القارئ هنا لكان الكلام لا معنى له، لأن الجواب لم يتم فإن اللام بعدها في قوله تعالى:

{لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} متعلقة بما قبلها. ()

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير