تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يترتب عليه أن فهم عربيته كان موكولا للصحابة (رضي الله عنهم)، والله أعلم.

المسألة الثالثة: ما يستفاد من التفسير

النبوي في أصول التفسير:

إن النظر في التفسير النبوي، واستنطاق الأمثلة التفسيرية فيه يفيد في

جوانب عدة، ومما يفيده هنا أن طريقة التفسير النبوي أصل معتمد في التفسير،

فإذا ورد عنه تعميم للفظ، أو تفسير بمثاٍل، أو غير ذلك، حُكِم بصحة هذه

الأساليب التفسيرية في التفسير، وأنها في المجال الذي يمكن الاقتداء به ولاقياس

عليه.

كما أنه يفيد في بيان صحة بعض الأساليب التي اعتمدها المفسرون من السلف.

ثم إن هذا يفيد في تصحيح بعض مرويات السلف التي جاءت مخالفة للعبارة

النبوية في التفسير، ذلك أن تحرير هذه الأساليب في التفسير النبوي يبين مدى

احتمال النص لغير عبارة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيما أظن حسب علمي

أن (فِقهَ النصّ التفسيري) من التفسير النبوي لم يلق عناية من هذا الجانب، ولذا

قمت بهذه المحاولة الاجتهادية لبيان هذه الفكرة من خلال أمثلة توضح ذلك.

إن مثل هذه الدراسة السريعة لا تكفي في تأصيل قضية كهذه، ولكنه جهد

المقل، وبذرة ألقيها لتجد طريقها إلى النماء إن شاء الله وإليك أخي القارئ عرض

الأمثلة:

* المثال الأول:

عن عقبة بن عامر (رضي الله عنه) قال: (سمعت رسول الله -صلى الله

عليه وسلم- وهو على المنبر يقول:] وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةُ [

[الأنفال: 60] ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة

الرمي) [17].

وجاء عن جمع من السلف ما يلي:

1 - لقوة: الرمي من القوة (مكحول).

2 - لقوة: الرمي والسيوف والسلاح (ابن عباس)

3 - مرهم بإعداد الخيل (عبّاد بن عبد الله ابن الزبير)

4 - لقوة: ذكور الخيل (عكرمة ومجاهد).

5 - لقوة: الفرس إلى السهم ومادونه (سعيد بن المسيب) [18].

لقد فسر الرسول -صلى الله عليه وسلم- القوة بالرمي، فهل يُطّرح ماورد

عن السلف من عبارات مخالفة لما جاء عنه -صلى الله عليه وسلم-، ويقال: مادام

النص قد ثبت طاح ما دونه.

أم يقال: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يشير إلى القوة التي

هي أنكى أنواع القوة، وأشدها تأثيراً في الحرب؟.

الذي يظهر والله أعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أراد هذا، وقد أشار

إلى ذلك الإمام الطبري فقال: (والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر

المؤمنين بإعداد الجهاد وآلة الحرب، ومايتقوون به على جهاد عدوه وعدوهم من

المشركين من السلاح والرمي، وغير ذلك، ورباط الخيل.

ولا وجه لأن يقال: عنى بالقوة معنى من معاني القوة، وقد عمّ الله الأمر بها.

فإن قال قائل: فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد بين أن ذلك مراداً

به الخصوص؛ بقوله: (ألا إن القوة الرمي). قيل له: إن الخبر وإن كان قد جاء

بذلك، فليس في الخبر مايدل على أنه مراد به الرمي خاصة دون سائر معاني القوة

عليهم، فإن الرمي أحد معاني القوة؛ لأنه إنما قيل في الخبر: (ألا إن القوة الرمي)

ولم يقل: دون غيرها.

ومن القوة أيضا: السيف والرمح والحربة، وكل ماكان معونة على قتال

المشركين، كمعونة الرمي، أو أبلغ من الرمي فيهم وفي النكاية منهم. هذا مع

وهاء سند الخبر بذلك عن رسول الله) [19].

وبهذا يمكن القول أنه لما لم يكن في تفسير الرسول -صلى الله عليه وسلم-

مايدل على التخصيص، دل ذلك على أن مراده التمثيل، ولما مثل للقوة ذكر أعلى

القوة وأشدها.

وإذا كان ذلك كذلك فإن روايات السلف لاتكون معارضة للتفسير النبوي، ولذا

يصح قبولها والتفسير بها؛ لأنها تدخل في عموم القوة.

ونتيجة القول: أن التفسير بالمثال أسلوب صحيح في التفسير؛ لأنه وارد عن

الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مثل هذا الحديث، والله أعلم

* المثال الثاني:

عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:

مفاتح الغيب خمس:] إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ

وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [[لقمان: 34] [20].

في هذا المثال تجد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسر (مفاتح الغيب)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير