تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عن آية من كتاب الله سكت كأن لم يسمع.

ومن هنا يمكن القول: إن السلف - من حيث التصدي للتفسير - فريقان:

فريق تكلّم في التفسير واجتهد فيه رأيه، وفريق تورّع فقلّ أو نَدُرَ عنه القول في

التفسير.

وممن تكلم في التفسير ونُقِلَ رأيه فيه عمر بن الخطاب (ت: 23هـ) وعلي بن أبي طالب (ت: 40هـ) وابن مسعود (ت: 33هـ) وابن عباس (ت: 67هـ) وغيرهم من الصحابة.

ومن التابعين وأتباعهم: مجاهد بن جبر (ت: 103هـ) وسعيد بن جبير

(ت: 95هـ) وعكرمة مولى ابن عباس (ت: 107هـ) والحسن البصري

(ت:110هـ) وقتادة (ت: 117هـ) وأبو العالية (ت: 93هـ) وزيد بن أسلم (ت: 136هـ) وإبراهيم النخعي (ت: 96هـ) ومحمد ابن كعب القرظي

(ت: 117هـ) وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت: 182هـ) وعبد الملك بن جريج (ت: 150هـ) ومقاتل بن سليمان (ت: 150هـ) ومقاتل بن حيان

(ت: 150هـ) وإسماعيل السدي (ت: 127هـ) والضحاك بن مزاحم

(ت: 105هـ) ويحيى بن سلام (ت: 200هـ)، وغيرهم.

وأما من تورّع في التفسير فجمعٌ من التابعين [24] من أهل المدينة والكوفة.

أما أهل المدينة، فقال عنهم عبيد الله بن عمر: لقد أدركت فقهاء المدينة،

وإنهم ليغلظون القول في التفسير؛ منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد،

وسعيد بن المسيب، ونافع [25].

وقال يزيد بن أبي يزيد: (كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام -

وكان أعلم الناس - فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع) [26].

وقال هشام بن عروة بن الزبير: (ما سمعت أبي يتأوّل آية من كتاب الله

قطّ) [27].

وأمّا أهل الكوفة فقد أسند إبراهيم النخعي إليهم قَولَه: (كان أصحابنا - يعني:

علماء الكوفة - يتّقون التفسير ويهابونه) [28].

هذا .. ولقد سلك مسلك الحذر وبالغ فيه إمام اللغة الأصمعي (ت: 215هـ)،

حيث نقل عنه أنه كان يتوقّى تبيين معنى لفظة وردت في القرآن [29].

فما ورد عن هؤلاء الكرام من التوقي في التفسير إنما كان تورّعاً منهم،

وخشية ألاّ يصيبوا في القول.

ثانياً: أنواع الرأي في التفسير:

الرأي في التفسير نوعان: محمود، ومذموم.

النوع الأول: الرأي المحمود.

إنما يحمد الرأي إذا كان مستنداً إلى علم يقي صاحبه الوقوع في الخطأ.

ويمكن استنباط أدلةٍ تدلّ على جواز القول بالرأي المحمود.

ومن هذه الأدلّة ما يلي:

1 - الآيات الآمرة بالتدبّر:

وردت عدّة آيات تحثّ على التدبّر؛ كقوله - تعالى:] أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ

أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [[محمد: 24]، وقوله:] كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا

آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [[ص: 29]. وغيرها من الآيات.

وفي حثِّ الله على التدبر ما يدلّ على أن علينا معرفة تأويل ما لم يُحجب عنا

تأويله؛ لأنه محالٌ أن يقال لمن لا يفهم ما يقال له: اعتبر بما لا فهم لك به [30].

والتدبّر: التفكّر والتأمّل الذي يبلغ به صاحبه معرفة المراد من المعاني،

وإنما يكون ذلك في كلامٍ قليل اللفظ كثير المعاني التي أودعت فيه، بحيث كلما

ازداد المتدبِّر تدبّراً انكشف له معانٍ لم تكن له بادئ النظر [31].

والتدبّر: عملية عقلية يجريها المتدبر من أجل فهم معاني الخطاب القرآني

ومراداته، ولا شك أن ما يظهر له من الفهم إنما هو اجتهاده الذي بلغه، ورأيه الذي

وصل إليه.

2 - إقرارُ الرسول - اجتهادَ الصحابة في التفسير: لا يبعد أن يقال: إن

تفسير القرآن بالرأي نشأ في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وفي ذلك وقائع

يمكن استنباط هذه المسألة منها، ومن هذه الوقائع ما يلي:

أ - قال عمرو بن العاص: - بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام

ذات السّلاسِلِ، فاحتلمت في ليلة باردةٍ شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيمّمت به، ثمّ صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمت على رسول الله -

صلى الله عليه وسلم- ذكرت ذلك له، فقال: يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت

جُنُبٌ؟

قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن

اغتسلت أن أَهْلَكَ، وذكرتُ قول الله:] وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [[النساء: 29] فتيمّمْتُ، ثم صليت، فضحك - ولم يقل شيئاً) [32].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير