5 - أما عن مصنفاته وآثاره العلمية، فقد بدأ في التأليف وكان له من العمر اثنتان وعشرون سنة، وبلغت مؤلفاته قريباً من ثلاثمائة ([23])، منها ما هو في علوم القرآن مثل: ((الإتقان في جمع أحاديث فضائل القرآن))، ((الإحكام لبيان ما في القرآن من إبهام))، ((تجريد التفسير من صحيح البخاري))، وكثير منها في الحديث وعلومه منها: ((الفتح))، ((إتحاف المهرة بأطراف العشرة))، ((الإصابة))، ((بلوغ المرام))، ((تلخيص الحبير)، ((لسان الميزان))، ((تهذيب التهذيب))، ((تقريب التهذيب))، وغيرها من الكتب في مختلف الفنون.
6 - أثنى عليه العلماء والكُتَّاب ووصفوه بالحفظ والإتقان والتقدم والعرفان، منهم شيخه زين الدين العراقي، وتلميذه السخاوي والحافظ السيوطي ([24]) وغيرهم كثير.
7 - توفي الحافظ –رحمه الله- في أواخر شهر ذي الحجة سنة (852هـ) ودفن بمصر.
ثانياً: كتابه " فتح الباري بشرح صحيح البخاري":
لقد أحسن الحافظ في هذا الكتاب وأفاد، وشرح وأجاد، بدءاً بجمع نسخ البخاري وضبط نصوصه، ثم بكثرة المصادر العلمية التي استعان بها في شرحه، والتي بلغت –كما تقدم- أكثر من ألف وأربعمائة، ثم بعنايته الفائقة بالحديث من جميع جوانبه، سنداً ومتناً وضبطاً وشرحاً وترجمة للرواة وترجيحاً عند الخلاف، ودراسة للمسائل وعرضاً للأقوال وأدلتها، وتلخيصاً للفوائد من الحديث، وغير ذلك.
وفيما يتعلق بالقرآن وعلومه-خاصة- فإنه أفاض في تفسير الآيات القرآنية وذكر أسباب النزول وإعجاز القرآن ووجوه القراءات، ونقل في ذلك عن أمهات الكتب وعن أئمة اللغة والتفسير والقراءات ([25]).
وبالجملة: فإن هذا الكتاب ((فتح الباري)) يعتبر موسوعة علمية جامعة، فقد أودع فيه مصنفه علوماً شتى، وفوائد عدة وهو أكبر وأجمع ما ألفه ابن حجر، وقد استغرق في تأليفه نحو ربع قرن من الزمان، قال عنه السيوطي: (لم يصنِّف أحد من الأولين ولا من الآخرين مثله) ([26])، ولما قيل للإمام الشوكاني: أما تشرح الجامع الصحيح للبخاري؟ قال: (لا هجرة بعد الفتح) ([27]).
نبذة مختصرة عن الإمام البخاري وصحيحه: ([28])
- أما البخاري فهو الإمام الحافظ أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة بن بَرْدِزْبَه البخاري الجعفي، أمير المؤمنين في الحديث، ولد في مدينة بخارى سنة 194هـ، ونشأ يتيماً في حجر والدته، ألهمه الله حفظ الحديث وهو ابن عشر سنين أو أقل، ورحل في ذلك إلى الحجاز والشام ومصر والبصرة والكوفة وبغداد، وقد كُتب عنه الحديث وهو دون العشرين، قال عن نفسه: ((كتبت عن ألف شيخ من العلماء وزيادة))، وأما عن تلاميذه فهم أكثر من أن يحصروا، قال الفربري ([29]): ((سمع كتاب الصحيح من البخاري تسعون ألفاً)) أهـ، وقد كان يحضر مجلسه أكثر من عشرين ألفاً يأخذون عنه، وله من المصنفات -غير ((الصحيح)) -: كتاب الأدب المفرد، والتاريخ الكبير، والأوسط، والصغير، والقراءة خلف الإمام، وخلق أفعال العباد، والضعفاء، والعلل، وغيرها. توفي رحمه الله سنة 256هـ.
- وأما كتابه المشهور بـ ((صحيح البخاري)) وسماه هو ((الجامع المسند الصحيح المختصر من سنن رسول الله e وأياّمه)) فهو أول ما صُنف في الصحيح المجرد، وقد قال عن نفسه: ((صنفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة وجعلته حجة بيني وبين الله))
- بلغت أحاديث صحيحه المسندة (7275) بالأحاديث المكررة، وبحذف المكرر نحو أربعة الآف. قال رحمه الله: ((ما أدخلت في كتاب الجامع إلاّ ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول))
قال النووي ([30]): ((اتفق العلماء رحمهم الله على أنّ أصحّ الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة)) أهـ. ([31])
الفصل الأول: مصادره في علم القراءات، ومنهجه في النقل عنها
¥