تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أهل الطبائع إن تكون السحاب والمطر والثلج والبرد والطل والصقيع في أكثر الأمر يكون من تكاثف البخار وفي الأقل من تكاثف الهواء، أما الأول فالبخار الصاعد إن كان قليلاً وكان في الهواء من الحرارة ما يحلل ذلك البخار فحينئذ ينحل وينقلب هواء. وأما إن كان البخار كثيراً ولم يكن في الهواء من الحرارة ما يحلل ذلك البخار فتلك الأبخرة المتصاعدة إما أن تبلغ في صعودها إلى الطبقة الباردة من الهواء أو لا تبلغ فإن بلغت فإما أن يكون البرد هناك قوياً أو لا يكون، فإن لم يكن البرد هناك قوياً تكاثف ذلك البخار بذلك القدر من البرد، واجتمع وتقاطر فالبخار المجتمع هو السحاب، والمتقاطر هو المطر، والديمة والوابل إنما يكون من أمثال هذه الغيوم، وأما إن كان البرد شديداً فلا يخلو إما أن يصل البرد إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها وانحلالها حبات كباراً أو بعد صيرورتها كذلك، فإن كان على الوجه الأول نزل ثلجاً، وإن كان على الوجه الثاني نزل برداً، وأما إذا لم تبلغ الأبخرة إلى الطبقة الباردة فهي إما أن تكون كثيرة أو تكون قليلة، فإن كانت كثيرة فهي قد تنعقد سحاباً ماطراً وقد لا تنعقد، أما الأول فذاك لأحد أسباب خمسة: أحدها: إذا منع هبوب الرياح عن تصاعد تلك الأبخرة وثانيها: أن تكون الرياح ضاغطة إياها إلى الاجتماع بسبب وقوف جبال قدام الريح. وثالثها: / أن تكون هناك رياح متقابلة متصادمة فتمنع صعود الأبخرة حينئذ ورابعها: أن يعرض للجزء المتقدم وقوف لثقله وبطء حركته، ثم يلتصق به سائر الأجزاء الكثيرة المدد وخامسها: لشدة برد الهواء القريب من الأرض. وقد نشاهد البخار يصعد في بعض الجبال صعوداً يسيراً حتى كأنه مكبة موضوعة على وهدة، ويكون الناظر إليها فوق تلك الغمامة والذين يكونون تحت الغمامة يمطرون والذين يكونون فوقها يكونون في الشمس، وأما إذا كانت الأبخرة القليلة الارتفاع قليلة لطيفة فإذا ضربها برد الليل كثفها وعقدها ماء محسوساً فنزل نزولاً متفرقاً لا يحس به إلا عند اجتماع شيء يعتد به/ فإن لم يجمد كان طلاً،

وإن جمد كان صقيعاً، ونسبة الصقيع إلى الطل نسبة الثلج إلى المطر، وأما تكون السحاب من انقباض الهواء فذلك عندما يبرد الهواء وينقبض، وحينئذ يحصل منه الأقسام المذكورة

والجواب: أنا لما دللنا على حدوث الأجسام وتوسلنا بذلك إلى كونه قادراً مختاراً يمكنه إيجاد الأجسام لم يمكنا القطع بما ذكرتموه لاحتمال أنه سبحانه خلق أجزاء السحاب دفعة لا بالطريق الذي ذكرتموه، وأيضاً فهب أن الأمر كما ذكرتم، ولكن الأجسام بالاتفاق ممكنة في ذواتها فلا بد لها من مؤثر. ثم إنها متماثلة، فاختصاص كل واحد منها بصفته المعينة من الصعود والهبوط واللطافة والكثافة والحرارة والبرودة لا بد له من مخصص، فإذا كان هو سبحانه خالقاً لتلك الطبائع وتلك الطبائع مؤثرة في هذه الأحوال وخالق السبب خالق المسبب، فكان سبحانه هو الذي يزجي سحاباً، لأنه هو الذي خلق تلك الطبائع المحركة لتلك الأبخرة من باطن الأرض إلى جو الهواء، ثم إن تلك الأبخرة إذا ترادفت في صعودها والتصق بعضها بالبعض فهو سبحانه هو الذي جعلها ركاماً، فثبت على جميع التقديرات أن وجه الاستدلال بهذه الأشياء على القدرة والحكمة ظاهر بين.) انتهى.

فتبين لنا بذلك صحة قول الإمام ابن تيمية رحمه الله حيث قال

(وكذلك إذا تكلم في المطر يذكر قول أولئك الذين يجعلونه حاصلا عن مجرد البخار المتصاعد والمنعقد في الجو

وقول من يقول إنه أحدثه الفاعل المختار بلا سبب

ويذكر قول من يقول إنه نزل من الأفلاك

وقد يرجح هذا القول في تفسيره ويجزم بفساده في موضع آخر

وهذا القول لم يقله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أئمة المسلمين بل سائر أهل العلم من المسلمين من السلف والخلف يقولون إن المطر نزل من السحاب) انتهى.

فابن تيمية رحمه الله ينكر القول بنزول المطر من الأفلاك كما يذكره الرازي في مواضع من تفسيره

الجزء الثالث 19

السؤال الثالث: قوله: {وَأَنزَلَ مِنَ ?لسَّمَاء مَاء} يقتضي نزول المطر من السماء وليس الأمر كذلك فإن الأمطار إنما تتولد من أبخرة ترتفع من الأرض وتتصاعد إلى الطبقة الباردة من الهواء فتجتمع هناك بسبب البرد وتنزل بعد اجتماعها وذلك هو المطر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير