تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثالثاً: أن الأدلة محمولة على ما إن لم يكن الطريق أمناً أو كانت غير مأمونة في نفسها.

الجواب عن الردود:

أولاً: أن الأدلة عامة لا يجوز تخصيصها بغير دليل ولأن حج الفريضة من أشهر الأسفار فلا يمكن أن يهمله أو يغفل عنه أو يستثنيه بالنية.

ثانياً: إن الصحابة فهموا دخول الحج في النهي ولذلك سأله الغازي الذي قد تعين بالاستنفار ولو كان المراد منه حج التطوع لقال له امنع زوجك من الحج حتى تعود ولما قال له اترك الجهاد الواجب المتعين لحج تطوع.

ومن وجه آخر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله عن حج المرأة أفرض هو أم نفل؛ وفي ذلك دليل على تساوي حكمهما في امتناع خروجها بغير محرم.

- أدلة القول الثاني:

- الدليل الأول:

أنه لما لم تجد المرأة المحرم أو امتنع أو عجز عن الخروج كان معدوماً كما لو كانت المسلمة أسيرة ثم تخلصت من الأسر فهي تسافر بغير محرم من دار الحرب.

وستأتي مناقشة هذا الدليل عند مناقشة أدلة القول الثالث قريباً – بإذن الله -.

- أدلة القول الثالث:

- الدليل الأول:

حديث عدى بن حاتم رضي الله عنه: قال بينا أنا عند النبى - صلى الله عليه وسلم - إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر، فشكا قطع السبيل. فقال «يا عدى هل رأيت الحيرة». قلت لم أرها وقد أنبئت عنها. قال «فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدا إلا الله» - قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيئ الذين قد سعروا البلاد , قال عدى فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف إلا الله.

وقد رد الخصوم على الاستدلال بهذا الدليل بالآتي:

أنه صلى الله عليه وسلم اخبر عن ذلك بأنه سيقع وهذا لا يدل على الجواز فلا وجه للاستدلال به فإنه عليه الصلاة والسلام ساق الكلام لبيان أمن الطريق من العدل وقوة الدولة لا لبيان أن المرأة يجوز لها الخروج من غير محرم.

نظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((ليأتين على الناس زمان تصير الظعينة من مكة إلى الحيرة لا يأخذ أحد بخطام راحلتها)).

وقد أجمعوا على أنها لا يجوز لها الخروج من مكة إلى الحيرة بغير محرم ولا من مكة إلى أي بلد.

ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: ((سيكون دجالون كذابون)) ولا يلزم من ذلك جواز الدجل والكذب.

وأجاب أصحاب الدليل عن هذا الأخير:

أن حديث الدجالين خرج في سياق ذم الحوادث أما حديث عدي – رضي الله عنه – خرج في سياق المدح والفضيلة فلا يمكن حمله على ما لا يجوز.

ورد جوابهم بالحديث السابق من مكة إلى الحيرة.

# ملاحظة: وقد استدل بعض الشافعية بهذا الحديث على جواز خروج المرأة لحج التطوع بغير محرم وقد سبق هذا من غير ذكر دليلهم وقد أوردناه هنا مع الردود على وجه الاستدلال به.

- الدليل الثاني:

أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة ولم يذكر الزوج والمحرم.

وقد رد الخصوم عنه بوجوه:

الأول: أن هذا الدليل محمول على الرجل بدليل أن المستدلين به نفسهم اشترطوا خروج غيرها معها من رفقة مأمونة من نساء ثقات أو رجال مأمونين.

الثاني: أن الزاد والراحلة زائد إلى باقي الشروط التي توجب الحج فهم أنفسهم اشترطوا تخلية الطريق وإمكان السير وقضاء الدين ونفقة العيال كما أن بعضهم اشترط الثبوت على الراحلة وكل هذا غير مذكور في الحديث الذي استدلوا به.

- الدليل الثالث:

أنه سفر واجب فلم يشترط فيه المحرم كالمسلمة التي تسافر من دار الحرب والأسيرة التي تخلصت من دار الكفار.

وقد رد الخصوم على هذا الاستدلال من وجهين:

الوجه الأول: أن السفر من دار الحرب وسفر الأسيرة سفر ضرورة لا يقاس عليه سفر الاختيار فإن الأسيرة تخرج بلا محرم لأنها تدفع بذلك ضرراً متيقناً بفوات نفسها وإزهاق روحها أو ذهاب دينها فلا يلزم ذلك بسفر لا ضرر فيه أصلاً فهذا قياس مع الفارق.

الوجه الثاني: كيف قستم خروج المرأة للحج بغير محرم على مسالة خروج الأسيرة من دار الحرب بغير محرم ولم تقيسوا مسألة خروج المعتدة لحج الفريضة مع أن خروج المعتدة الأسيرة من دار الحرب جائز فلو لم يكن هناك فرق بين المسالتين لقستموها هنا.

فإن أجبتم رددتم على استدلالكم.

- الدليل الرابع:

قول عمر ابن الخطاب – رضي الله عنه -:

((أحجوا هذه الذرية ولا تأكلوا أرزاقها وتدعوا أرباقها في أعناقها)) ولم يذكر لهن محرم.

ورد على الاستدلال به على أن الأثر هذا لم يصح وعلى فرض صحته فهو لا يدل على جواز خروج المرأة إلى حج الفرض بغير محرم ولم يرد فيه ذكر النساء أصلاً وإن كن دخلن في القول فإن عدم ذكر المحرم لا يدل على عدم خروجه أو جواز الخروج من غير محرم وهذا الاستدلال مفهوم من فعل عمر – رضي الله عنه - لا من تصريحه فلا يقدم على منطوق النهي الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم.

8. الترجيح:

مما سبق يتبين لنا قوة ورجحان القول الأول على القول الثاني لأن أدلتهم صريحة عامة لا دليل على تخصيصها ولأن كلاً من أصحاب القول الثاني والثالث اشترطا في محل النزاع شروطاً لا دليل عليها لا من كتاب ولا سنة فما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاشتراط.

وإن حكم عند هذا بالتعارض بين أدلة القول الأول والثاني – ولا تعارض كما قد تبين – قدمنا أدلة القول الأول لأنها أصرح وأقوى.

ولأن ما اشترطه أصحاب الرأي الثاني والثالث من خروج المرأة بغير محرم مع نسوة ثقات أو رجال ثقات كما عند أصحاب الرأي الثاني فيه يزداد الخوف على المرأة أكثر.

فهذا ما جعلني أقدم القول الأول والله أعلم وأحكم.

جمع وترتيب العبد الفقير إلى الله وراق عبد الرحمن غفر الله له ولوالديه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير