قال العراقي-رحمه الله-في طرح التثريب: "ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"بين كل أذانين صلاة"،قال والدي -رحمه الله-: ولقائل أن يعترض على الاستدلال به بأن ذلك كان متعذرا في حياته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان بين الأذان والإقامة الخطبة، فلا صلاة حينئذ بينهما، نعم بعد أن جدد عثمان الأذان على الزوراء يمكن أن يصلي سنة الجمعة قبل خروج الإمام للخطبة والله أعلم".
وقال الإمام ابن تيمية-رحمه الله-في مجموع الفتاوى:"ويتوجه أن يقال: هذا الأذان لما سنه عثمان، واتفق المسلمون عليه، صار أذانا شرعيا وحينئذ فتكون الصلاة بينه وبين الأذان الثاني جائزة حسنة".
وردت المناقشة: بأن المراد بقوله-صلى الله عليه وسلم- «بين كل أذانين» الأذان والإقامة، وأطلق لفظ الأذان على الإقامة من باب التغليب، وأن أذان عثمان حادث بعد الشرع، والقاعدة في الأصول: [لا يجوز حمل الألفاظ الشريعة على الاصلاحات الحادثة]، وإذا تقرر ذلك فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث.
2 - ما أخرجه ابن ماجه في السنن عن ابن عباس-رضي الله عنه-: أن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان يصلي قبل الجمعة أربعا، لا يفصل في شيء منهن.
وجه الاستدلال بالحديث: أن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان يفعل ذلك، والقاعدة في الأصول: [أن فعله-صلى الله عليه وسلم-التعبدي يفيد الاستحباب]، هذا تقرير الاستحباب والسنية، وأما تقرير كونها راتبة فمن قوله: كان, فإن لفظة كان في لغة العرب تدل على الاستمرار، والقاعدة في الأصول: [أن اللغة معتبرة في التفسير].
وأجيب: بأن هذا الحديث ضعيف جدا في إسناده أربع علل:
- بقية بن الوليد بن صائد الكلاعي مدلس تدليس تسوية وقد عنعن، وبناء على ذلك فالحديث منقطع حكما، والقاعدة في الأصول: [أن الانقطاع في الخبر يقتضي رده].
- مبشر بن عبيد القرشي رماه الإمام أحمد بالوضع، وهذا مما يقتضي فسقه, والقاعدة في الأصول: [أن فسق الراوي يقتضي رد خبره].
- حجاج بن أرطاة القاضي سيء الحفظ "فهم من كلام أحمد ويعقوب بن شيبة"، والقاعدة في الأصول: [أن سوء حفظ الراوي يقتضي رد خبره]،
ووصفه غير واحد من الأئمة بالتدليس"منهم أبو حاتم وأبو زرعة" وقد عنعن، وبناء على ذلك فالحديث منقطع حكما، والقاعدة في الأصول: [أن الانقطاع في الخبر يقتضي رده]، وقال جرير بن عبد الحميد: كان يخضب لحيته بالسواد، وهذا لا يقدح في عدالته لأن المسألة محل خلاف بين الفقهاء، ولعله كان يذهب للجواز، والقاعدة في الأصول: [أن جرح الراوي بالمحرم الخلافي الذي لم يقم دليل على أن يقول به غير مقبول].
- عطية بن سعد العوفي سيء الحفظ، والقاعدة في الأصول: [أن سوء حفظ الراوي يقتضي رد خبره]، وقال بعضهم: كان من شيعة الكوفة، وهذا لا يقتضي رد خبره، فالقاعدة في الأصول: [أن رواية المبتدعة مقبولة إذا لم يعرف عنهم استحلال الكذب لنصر مذهبهم]، وهي قاعدة خلافية مأخذها: وجود التأويل المانع من التفسيق.
إذا تقرر هذا، وتقرر أن القاعدة في الأصول: [أن الحديث الضعيف ليس بحجة في إثبات الأحكام الشرعية] فلا يصح الاحتجاج بهذا الحديث.
3 - ما أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة وجابر-رضي الله عنهما-، قالا: جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أصليت ركعتين قبل أن تجيء؟» قال: لا، قال: «فصل ركعتين وتجوز فيهما».
وجه الاستدلال بالحديث: أنه قال: «قبل أن تجيء» أي قبل أن تجيء إلى المسجد، وهذا يدل على أن صلاة الركعتين التي أمره-صلى الله عليه وسلم- بها ليست صلاة دخول المسجد، لأن فعل صلاة الدخول في البيت لا يقوم مقام فعلها في المسجد، فتعين أن المراد سنة الجمعة القبلية.
قال المجد ابن تيمية-رحمه الله- في المنتقى عقب هذا الحديث: "وقوله قبل أن تجيء يدل على أن هاتين الركعتين سنة للجمعة قبلها وليست تحية للمسجد".
وأجيب: بأن الاستدلال به لا يتم لثلاثة أوجه:
أ- أن قوله: «قبل أن تجيء» تصحيف من الرواة، وأن النبي-صلى الله عليه وسلم-إنما قال قبل أن تجلس، قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في التلخيص الحبير:"وَتَعَقَّبَهُ الْمَزِيُّ: بِأَنَّ الصَّوَابَ: أَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ؟ فَصَحَّفَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ".
¥