تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويدل على وقوع هذا التصحيف أدلة أربعة:

- أن هذا الحديث جاء في الصحيحين من حديث جابر-رضي الله عنه- بلفظ: دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: «أصليت؟» قال: لا، قال: «قم فصل ركعتين»، وفي رواية عند مسلم: ثم قال: «إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب، فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما»، واللفظ الوارد في الصحيحين مقدم على اللفظ الوارد عند ابن ماجه في السنن، إذ أن العلماء عنوا بضبط ألفاظ الصحيحين عناية فائقة بخلاف سنن ابن ماجه، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-في الهدي:"وقال شيخنا أبو الحجَّاج الحافظ المزي: هذا تصحيف من الرواة، إنما هو "أصليتَ قبل أن تجلس" فغلط فيه الناسخُ. وقال: وكتابُ ابنِ ماجه إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به، بخلاف صحيحي البخاري ومسلم، فإن الحفاظ تداولوهما، واعتَنَوْا بضبطهما وتصحيحهما، قال: ولذلك وقع فيه أغلاطٌ وتصحيف".

- أن أئمة الحديث الذين صنفوا السنن لم يترجموا على هذا الحديث بما يفيد أنه وارد في سنة الجمعة القبلية، بل ترجموا عليه بصلاة التحية في حق من دخل والإمام يخطب.

- أن أهل الأحكام -أي الفقهاء- لم يستدلوا بهذا الحديث على مشروعية سنة الجمعة القبلية.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في الهدي:"قلت: ويدل على صحة هذا أن الذين اعتَنَوْا بضبط سنن الصلاة قبلها وبعدها، وصنفوا في ذلك من أهل الأحكام والسنن وغيرها، لم يذكر واحدٌ منهم هذا الحديثَ في سنة الجمعة قبلها، وإنما ذكروه في استحباب فعل تحية المسجد والإِمام على المنبر، واحتجوا به على من منع مِن فعلها في هذه الحال، فلو كانت هي سنةَ الجمعة، لكان ذكرها هناك، والترجمةُ عليها، وحفظُها، وشهرتُها أولى من تحية المسجد".

- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر بها إلا من دخل المسجد، وهذا يدل على أنها التحية؛ إذ لو كانت سنة الجمعة لأمر بها القاعدين أيضا ولم يخص الداخل بها فقط.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في الهدي:"ويدل عليه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهاتين الركعتين إلا الداخل لأجل أنها تحيةُ المسجد. ولو كانت سنة الجمعة، لأمر بها القاعدين أيضاً، ولم يخص بها الداخل وحده".

ونوقش هذا الجواب: بأن تصحيف الراوي للخبر ضرب من الوهم، والقاعدة في الأصول: [لا يجوز توهيم الراوي الثقة إلا بدليل]، ولا دليل.

وما ذكروه لا يصلح أن يكون دليلا، وإليك الجواب عنه:

* الجواب عن الدليل الأول: لا يسلم بوجود التعارض بين لفظ الحديث عند ابن ماجه وبين لفظه في الصحيحين، ولفظ قبل أن تجيء عند ابن ماجه من باب زيادة الثقة، والقاعدة في الأصول: [أن زيادة الثقة مقبولة]، ولو سلم بوجود التعارض فلا يسلم بتقديم لفظ الصحيحين على لفظ ابن ماجه مطلقا، بل لكل حديث نظر مستقل، وشرف الصحيحين على غيرهما من كتب الحديث من جهة مجموع حديثهما لا من جهة كل حديث، وما ذكره الحافظ المزي-رحمه الله- في شأن سنن ابن ماجه وأنه تداولها شيوخ لم يعتنوا بها دعوى تفتقر إلى دليل وبرهان.

الجواب عن الدليل الثاني: أن القاعدة في الأصول: [أن الحجة في حديث النبي-صلى الله عليه وسلم-لا في تراجم المحدثين]، إذ أن الترجمة اجتهاد من المحدث، واجتهاده لا يكون حجة على غيره.

مرعاة المفاتيح للملا علي القاري

.* الجواب عن الدليل الثالث: أنه لا يسلم بعدم استدلال أهل الأحكام بهذا الحديث على السنة القبلية للجمعة، وقد تقدم النقل عن المجد ابن تيمية، ولو سلم بذلك فإن القاعدة في الأصول: [أنه لا يمتنع أن يخفى دليل على الأمة مع ثبوت حكمه]، ومن ثم لا يكون عدم استدلالهم به قادحا في ثبوته، ومقتضيا لتصحيفه.

* الجواب عن الدليل الرابع: كونه لم يرد في الحديث أن النبي-صلى الله عليه وسلم-أمرهم لا يقتضي أنه لم يأمرهم، فالقاعدة في الأصول: [أن عدم العلم بالشيء ليس علما بالعدم]، وفي معناها القاعدة في الأصول: [عدم ذكر الراوي لأمر في الخبر لا يدل على عدمه] انظر المنخول.

إذا تقرر هذا فلا يصح الطعن في الاستدلال بالحديث من هذا الوجه.

2 - أن قوله قبل أن تجيء فيه احتمالان، فيحتمل قبل أن تجيء إلى المسجد، ويحتمل قبل أن تجيء لتقرب مني لسماع الخطبة، والقاعدة في الأصول: [أن الاحتمال يسقط الاستدلال]، وقوى بعضهم الاحتمال الثاني بأمور:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير