(لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً) يعني على فرض أن تقوم الساعة وأرد إلى الله.
(لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً) أي مرجعاً، فكأنه يقول بما أن الله أنعم علي بالدنيا، فلا بد أن ينعم علي بالآخرة، وهذا قياس فاسد؛ لأنه لا يلزم من التنعيم في الدنيا أن ينعم الإنسان في الآخرة، ولا من كون الإنسان لا يُنَعَّم في الدنيا ألا يُنَعَّم في الآخرة، لا تلازم بين هذا وهذا، بل إن الكفار يُنعمون في الدنيا وتُعجل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ولكنهم في الآخرة يُعذَّبون. وهذا كقوله تبارك وتعالى في سورة فُصِّلت:) لا يَسْأَمُ الْأِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ) (فصلت:50)
هذا مثلُ هذا.
...
) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) (الكهف:37)
قوله تعالى: {) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} أي يناقشه في الكلام.
(أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) ذكره بأصله.
والهمزة في قوله: {أَكَفَرْتَ} للإنكار.
أما قوله: {خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} فلأن آدم أبا البشر خُلق من تراب.
وأما {مِنْ نُطْفَةٍ} فلأن بني آدم خُلِقوا من نطفة، والمعنى: أنَّ الذي {خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} قادر على البعث الذي أنت تُنكره.
وقوله: {سَوَّاكَ} أي عدَّلك وصيَّرك رجلاً، وهذا الاستفهام للإنكار بلا شك، ثم هل يمكن أن نجعله للتعجب أيضاً؟
الجواب: يمكن أن يكون للإنكار وللتعجب أيضاً يعني: كيف تكفر {بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً}! ويستفاد من هذا أن منكر البعث كافر ولا شك في هذا كما قال تعالى:) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (التغابن:7)
...
) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) (الكهف:38)
قوله تعالى: {) لَكِنَّا} أصلها "لكن أنا" وحذفت الهمزة تخفيفاً وأدغمت النون الساكنة الأولى بالنون الثانية المفتوحة فصارت لكنَّا، وتكتب بالألف خطّاً وأما التلاوة ففيها قراءتان إحداهما بالألف وصلاً ووقفاً، والثانية بالالف وقفاً وبحذفها وصلاً.
(لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي) أي هو الله ربي مثل قوله تعالى: {هو الله أحد} وعلى هذا فتكون {هو} ضمير الشأن، يعني الشأن أن الله تعالى ربي.
و {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} وهذا كقول ابن آدم لأخيه قابيل: {إنما يتقبل الله من المتقين} [المائدة: 27]، يعني أنت كفرت ولكني أنا أعتز بإيماني وأؤمن بالله.
...
) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً) (الكهف:39)
قوله تعالى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ} يعني هلَّا {إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} أي حين دخولك إيَّاها {قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} حتى تجعل الأمر مفوضاً إلى الله.
وقوله: {مَا شَاءَ اللَّهُ} فيها وجهان:
1 - أنَّ {ما} اسم موصول خبر لمبتدأ محذوف تقديره "هذا ما شاء الله".
2 - أنَّ {ما} شرطية و {شاء} فعل الشرط وجوابه محذوف والتقدير "ما شاء الله كان".
¥