المسألة الثانية في معنى هذه اللفظة:ولا خلاف بين أهل اللغة أن الذرية تقال على الأولاد الصغار وعلى الكبار أيضا.
قال تعالى " و إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي " البقرة 124 و قال تعالى " أن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض آل عمران 134 وقال تعالى " ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم " الانعام 87 وقال تعالى " وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني اسرائيل أن لا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا "الاسراء 2 3.
وهل تقال الذرية على الاباء؟ فيه قولان أحدهما: انهم يسمون ذرية أيضا احتجوا على ذلك بقوله تعالى " وآية لهم انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون " يس 41 وأنكر ذلك جماعة من أهل اللغة وقالوا لا يجوز هذا في اللغة والذرية كالنسل والعقب لا تكون إلا للعمود الاسفل ولهذا قال تعالى " ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم " فذكر جهات النسب الثلاث من فوق ومن اسفل ومن الاطراف، قالوا: وأما الاية التي استشهدتم بها فلا دليل لكم فيها لأن الذرية فيها لم تضف اليهم اضافة نسل وايلاد وانما اضيفت اليهم بوجه ما والاضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص وإذا كان الشاعر قد اضاف الكوكب في قوله إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة سهيل أذاعت غزلها في القرائب فأضاف اليها الكوكب لانها كانت تغزل إذا لاح وظهر والاسم قد يضاف بوجهين مختلفين إلى شيئين وجهة اضافته إلى أحدهما غير جهة اضافته إلى الآخر قال أبو طالب في النبي لقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعزى لقول الاباطل فأضاف نبوته اليه بجهة غير جهة اضافته إلى ابيه عبد الله وهكذا لفظة رسول الله فإن الله سبحانه يضيفه اليه تارة كقوله " قد جاءكم رسولنا المائدة 15 وتارة إلى المرسل اليهم كقوله أم لم يعرفوا رسولهم المؤمنون 69 فأضافه سبحانه اليه اضافة رسول إلى مرسله واضافه اليهم اضافة رسول إلى مرسل اليهم وكذا لفظ كتابه فإنه يضاف اليه تارة فيقال كتاب الله ويضاف إلى العباد تارة فيقال كتابنا القرآن وكتابنا خير الكتب وهذا كثير فهكذا لفظ الذرية اضيف اليهم بجهة غير الجهة التي اضيف بها إلى آبائهم وقالت طائفة بل المراد جنس بني آدم ولم يقصد الاضافة إلى الموجودين في زمن النبي وانما أريد ذرية الجنس وقالت طائفة بل المراد بالذرية نفسها وهذا ابلغ في قدرته وتعديد نعمه عليهم أن حمل ذريتهم في الفلك في اصلاب ابائهم والمعنى انا حملنا الذين هم ذرية هؤلاء وهم نطف في اصلاب الاباء وقد اشبعنا الكلام على ذلك في كتاب الروح والنفس إذا ثبت هذا فالذرية الأولاد واولادهم وهل يدخل فيها اولاد البنات فيه قولان للعلماء هما روايتان عن احمد ... ) ثم ساقه.
ـ[أبو تيمية إبراهيم]ــــــــ[19 - 09 - 02, 09:28 م]ـ
بل قال رحمه الله تعالى في بدائعه البديعة (1/ 159): (ونظيره من الإستدلال سواء قوله وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون يس 41 42 والأصح أن المثل المخلوق هنا هو السفن وقد أخبر أنها مخلوقة وهي إنما صارت سفنا بأعمال العباد وأبعد من قال إن المثل ههنا هو سفن البر وهي الإبل لوجهين أحدهما أنها لا تسمى مثلا للسفن لا لغة ولا حقيقة فإن المثلين ما سد أحدهما مسد الآخر وحقيقة المماثلة أن يكون بين فلك وفلك لا بين جمل وفلك الثاني أن قوله إن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم يس 43 عقب ذلك دليل على أن المراد الفلك التي إذا ركبوها قدرنا على إغراقهم فذكرهم بنعمه عليهم من وجهين:
أحدهما ركوبهم إياها والثاني أن يسلمهم عند ركوبها من الغرق)
و في شفاء العليل قال: (ونظيره قوله تعالى وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون فأخبر سبحانه وتعالى أنه خالق الفلك المصنوع للعباد وأبعد من قال أن المراد بمثله هو الإبل فإنه إخراج المماثل حقيقة واعتبار لما هو بعيد عن المماثلة ونظير ذلك قوله تعالى حكاية عن خليله أنه قال لقوه أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون فإن كانت ما مصدرية كما قدره بعضهم فالإستدلال ظاهر وليس بقوى إذ لا تناسب بين إنكاره عليهم عبادة ما ينحتونه بأيديهم وبين إخبارهم بأن الله خالق أعمالهم من عبادة تلك الألهة ونحتها وغير ذلك فالأولى أن تكون ما موصولة أي والله خلقكم وخلق آلهتكم التي عملتموها بأيديكم فهي مخلوقة له لا آلهة شركاء معه فأخبر أنه خلق معمولهم وقد حله عملهم وصنعهم ولا يقال المراد مادته فإن مادته غير معمولة لهم وإنما يصير معمولا بعد عملهم)
و هذا قول شيخه شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[19 - 09 - 02, 09:57 م]ـ
أخي الفاضل: عبدالرحمن الفقيه،، هذا الموضوع جدير بالاهتمام، أعني ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه المشار إليه.
ومن الآيات المشكلة في كتاب الله تعالى: قوله تعالى (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت)، كذا قوله: (فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما)، وغير ذلك.
ولا أعلم هل ذكر الشيخ هاتين الآيتين في كتابه الآنف الذكر أم لا؟
ذلك أنَّ الكتاب ليس في متناول يدي الآن!
فأرجو ممن لديه الكتاب أن يخبرنا بذلك، وإني على وعد أنَّ أذكر الإشكالات الواردات في الآية الأولى (وما أنزل على الملَكين ببابل) إن لم يكن الشيخ قد تكلم عليها، وذلك إن فسح الوقت، بحول الله وقوته،،
¥