أما ما في القرآن فهو الحق المطلق؛ لأنه الله جل وعلا هو الذي أخبر به، فمن علم معاني الآيات في ذلك بما فسّره السلف الصالح من دلالة الآيات وما فهموه من ذلك فإن هذا هو الحق المطلق في هذا، إذْ لا يمكن أن يجمعوا على شيء في معاني كلام الله مخالف للصواب.
كذلك ما يتعلّق بالعلوم الحياتية، العلوم الدنيوية، ما يتعلق بطبقات الأرض الجيولوجيا، أو الزراعة، أو ما يتصل بنوعية ما في البحار، أو طبقات الأرض، أو ما أشبه ذلك، ففي كلام الله جل وعلا أصول من لزمها سَلِمَ في مضايق الأنظار في مثل هذه المسائل.
وهكذا في العلوم علوم اللغة العربية فإنّ من علم التفسير أدرك العربية نحوا وأدركها من جهة المفردات وأدركها من جهة الأسلوب والأدب.
وكذلك العلوم الأخر علوم العربية الأخر مثل الصرف والاشتقاق إلى آخره.
علم السنة به يُعرف معاني القرآن، فالقرآن العظيم حجة الله على العالمين، والسنة بين له، فالدالّ هو الله جل وعلا، والدليل هو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمدلول عليه هو كلام الله جل وعلا وسنة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذا أجمع أهل السنة أن السنة مفسرة للقرآن ومبينة لمعانيه، فالحديث راجع إلى بيان القرآن العظيم، علوم السنة بلا علم القرآن والتفسير يساء فهمها.
فإذا جمع طالب العلم بين معرفة الحديث ومعرفة التفسير وما قاله أئمة السلف وقاله أئمة أهل العلم في فهم معاني كلام الله جل وعلا أصبح سائرا على مدارج طلب العلم الصحيح، بخلاف من يدرك هذا تفسيرا بلا سنة أو سنة بلا تفسير، تجد أن الخلل والنقص ظاهر في تصوره للعلم وللديانة وللقواعد الشرعية للفتوى إلى آخر ذلك.
فإذن الحاصل من هذا أنّ علم التفسير فيه كل العلوم، ولهذا نزع كل أصحاب فن من الفنون لتقرير فنهم إلى التفسير؛ بل نزع أصحاب الملل المختلفة أو الفرق المختلفة في هذه الأمة إلى التفسير لتقرير مذاهبهم، فللمعتزلة تفاسير، وللرافضة تفاسير، وللجهمية تفاسير، وللخوارج تفاسير، وهكذا في سائر الفرق كالأشاعرة والماتريدية، مع أنهم أقرب إلى السنة إلى الفرق السالفة التي ذكرنا؛ لكن لهم تفاسير ملؤوها بتقرير عقائدهم البدعية.
كذلك أهل الفقه تجد أنهم كتبوا في التفسير لتقرير مذاهبهم الفقهية، منهم من نزع إلى مذهبه الخاص، ومنهم من نزع إلى الحجة دون التقيد بمذهب. وهكذا في كثير من العلوم.
إذن فطالب العلم لابد له من العناية بكلام الله جل وعلا فوق كل عناية حفظا له وتدبرا ومعرفة وعلما بالتفسير وفهما لما اشتملت عليه الآيات من أحكام أو أخبار، فإن هذا هو الحجة التي تبقى مع طالب العلم، والله سبحانه وتعالى يحبّ من عباده الذين يفقهون كلامه «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» ? فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ? [التوبة:122]، هذا الدين إنما هو القرآن وما يسمعون ويرون من سنة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا هو الدين.
والعلماء على اختلاف مشاربهم من جميع أصحاب الفنون إنما هم يقرِّبون للناس وييسرون فهم دلالات النصوص، يقولون للناس: هذا معنى النص، والعالم كلما عظُم علمه بمعنى الكتاب ومعنى السنة -معنى الآي ومعنى الأحاديث- عظمت درجته، ليس العالم في الإسلام هو الذي يقول من رأيه ويقول من جهة فهمه، ليست هذه مهمة العالم في الإسلام، ولا يُحمد عالم ينزع للناس برأي مجرّد لا يعلم عليه حجة من كتاب الله جل وعلا أو من سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من هدي الصحابة أو من الإجماع أو من القواعد العامة، إذا كان رأيا مجرَّدا فهذا هو الذي قال فيه علي رَضِيَ اللهُ عنْهُ فيما صح عنه في سنن أبي داوود وغيره: اتَّهموا الرأي في دين الله، ولو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من ظاهره. لأنّ الذي يلقى الأذى هو الأسفل فهو الأحق بالتطهير، لكن جاءت السنة بأن المسح للأعلى مع أنه الذي لا يناله الأذى، فعُلم بذلك أنّ الرأي في دين الله جل وعلا لا يُحمد أهله، وتكاثرت كلمات الصحابة وكلمات التابعين والأئمة في ذم الرأي وذم أهل الرأي؛ يعني الذين يقولون القول لا يعلمون حجته، يقولون القول هكذا بالأقيسة، بالنظر، بالاستحسان، بالميزاج، وهذا لا يجوز أن يخوضه من يخاف على نفسه؛ لأنه قد يدخل في القول على
¥