تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن مما يصرف كثيرا من المسلمين عن تدبر القرآن والتفكر فيه وتذكر ما فيه من المعاني العظيمة اعتقادهم صعوبة فهم القرآن وهذا خطأ لمفهوم تدبر القرآن وانصراف عن الغاية التي من أجلها أنزل، فالقرآن أولا كتاب تربية وتعليم، وكتاب هداية وبصائر لكل الناس، كتاب هدى ورحمة وبشرى للمؤمنين، كتاب قد يسر الله تعالى فهمه وتدبره كما قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر]،

قال ابن هبيرة: " ومن مكايد الشيطان تنفيره عباد الله من تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر فيقول هذه مخاطرة حتى يقول الإنسان أنا لا أتكلم في القرآن تورعا " (ذيل طبقات الحنابلة 3/ 273)،

قال الشاطبي:" فمن حيث كان القرآن معجزا أفحم الفصحاء وأعجز البلغاء أن يأتوا بمثله فذلك لا يخرجه عن كونه عربيا جاريا على أساليب كلام العرب ميسرا للفهم فيه عن الله ما أمر به ونهى " اهـ. (الموافقات3/ 805)

قال ابن القيم: " من قال إن له تأولا لا نفهمه ولا نعلمه وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه ففي قلبه منه حرج " اهـ (التبيان في أقسام القرآن 144)،

ويقول الصنعاني: " فإن من قرع سمعه قوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(20) سورة المزمل] يفهم معناه دون أن يعرف أن (ما) كلمة شرط، و (تقدموا) مجزوم بها لأنه شرطها، و (تجدوه) مجزوم بها لأنه جزاؤها، ومثلها كثير ... فياليت شعري! ما الذي خص الكتاب والسنة بالمنع عن معرفة معانيها وفهم تراكيبها ومبانيها .. حتى جعلت كالمقصورات في الخيام .. ولم يبق لنا إلاترديد ألفاظها وحروفها ... " اهـ (إرشاد النقاد إلى تيسير الإجتهاد 36)

إن الصحيح والحق في هذه المسألة أن القرآن معظمه واضح وبين وظاهر لكل الناس، كما قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه:

- وجه تعرفه العرب من كلامها.

- وتفسير لا يعذر احد بجهالته.

- وتفسير يعلمه العلماء.

- وتفسير لا يعلمه إلا الله "

(تفسير الطبري 1/ 75، مقدمة ابن تيمية 115)

ومعظم القرآن من القسمين الأولين. إن عدد آيات الاحكام في القرآن 500 آية، وعدد آيات القرآن 6236 آية.

إن فهم الوعد والوعيد والترغيب والترهيب والعلم بالله واليوم الآخر لا يشترط له فهم المصطلحات العلمية الدقيقة من نحوية وبلاغية وأصولية وفقهية. فمعظم القرآن بين واضح ظاهر يدرك معناه الصغير والكبير، والعالم والأمي، فحينما سمع الأعرابي قول الله تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [(23) سورة الذاريات] قال: من ذا الذي أغضب الجليل حتى أقسم. وحينما أخطأ إمام في قراءة آية النحل {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [(26) سورة النحل] قرأها من تحتهم صوب له خطأه امرأة عجوز لا تقرأ ولا تكتب، إن القرآن بين واضح ظاهر وفهمه وفقهه وتدبره ليس صعبا بحيث نغلق عقولنا ونعلق فهمه كله بالرجوع إلى كتب التفسير، فنعمم حكم الأقل على الكل فهذا مفهوم خاطئ وهو نوع من التسويف في تدبر القرآن وفهمه.

إن إغلاق عقولنا عن تدبر القرآن بحجة عدم معرفة تفسيره، والاكتفاء بقراءة ألفاظه مدخل من مداخل الشيطان على العبد ليصرفه عن الاهتداء به.

وإذا سلمنا بهذه الحجة فإن العقل والمنطق والحزم والحكمة أنك إذا أشكل عليك معنى آية أن تبادر وتسارع للبحث عن معناها والمراد بها لا أن تغلق عقلك فتقرأ دون تدبر أو تترك القراءة.

ـ[المسيطير]ــــــــ[12 - 10 - 05, 01:11 ص]ـ

ملحوظة:

لن أتطرق للحواشي، وهي موجودة على رابط الكتاب.


المفاتيح العشرة: لإصلاح ترتج

الأول: (ل) القلب

المبحث الأول: القرآن والقلب

المطلب الأول: القلب آلة فهم القرآن
الكلام في هذا المطلب - بإيجاز - من وجهين:
الأو ل: أن آلة فهم القرآن هو القلب.
الثاني: أن القلب بيد الله وحده لا شريك له.

فأما الوجه الأول:
فقد دل على ذلك نصوص كثيرة، الآيات القرآنية منها تزيد على مائة آية، وسأكتفي في هذا المبحث بذكر ثلاث منها مما هي صريحة الدلالة على المسألة، من ذلك قول الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} [(57) سورة الكهف]، وقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [(46) سورة الحج]، وقوله تعالى: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [(4) سورة الأحزاب]
وليس هذا مقام بسط هذه المسألة وتأصيلها وإنما المقصود التذكير بأن آلة تدبر القرآن وفهمه هو القلب وما يترتب على ذلك من أحكام مما يأتي الحديث عنه.
وأما الوجه الثاني: القلب بيد الله وحده لا شريك له يفتحه متى شاء ويغلقه متى شاء بحكمته وعلمه سبحانه {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهَِ} (24) سورة الأنفال]، وقد جعل لذلك أسبابا ووسائل من سلكها وفق ومن تخلف عنها خذل ويأتي بيان ذلك في المطلب التالي.
فتذكر وأنت تحاول فهم القرآن أن القلوب بيد الله تعالى، وأن الله يحول بين المرء وقلبه فليست العبرة بالطريقة والكيفية بل الفتح من الله وحده، وما يحصل لك من التدبر فهو نعمة عظيمة من الله تعالى تستوجب الشكر لا الفخر فمتى أعطاك الله فهم القرآن وفتح لك معانيه فاحمد الله تعالى وأساله المزيد، وانسب هذه النعمة إليه وحده، اعترف بها ظاهرا وباطنا.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير