قلت: قد جاء عن ابي هريرة مسندا فيمن فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر قال: يصوم هذا مع الناس ويصوم الذي فرط فيه ويطعم لكل يوم مسكينا خرجه الدار قطني وقال: إسناد صحيح وروي عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
[في رجل أفطر في شهر رمضان من مرض ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر قال: يصوم الذي أدركه ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه ويطعم لكل يوم مسكينا] في إسناده ابن نافع وابن وجيه ضعيفان
الحادية عشرة: فإن تمادى به المرض فلم يصح حتى جاء رمضان آخر فروى الدار قطني عن ابن عمر أنه يطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة ثم ليس عليه قضاء وروي أيضا عن ابي هريرة قال: إذا لم يصح بين الرمضانين صام عن هذا وأطعم عن الثاني ولا قضاء عليه وإذا صح فلم يصم حتى إذا أدركه رمضان آخر صام عن هذا وأطعم عن الماضي فإذا أفطر قضاه إسناد صحيح قال علماؤنا: وأقوال الصحابة على خلاف القياس قد يحتج بها وروي عن ابن عباس أن رجلا جاء إليه فقال: مرضت رمضانين؟ فقال له ابن عباس: استمر بك مرضك أو صححت بينهما؟ فقال: بل صححت قال: صم رمضانين وأطعم ستين مسكينا وهذا بدل من قوله: إنه لو تمادى به مرضه لا قضاء عليه وهذا يشبه مذهبهم في الحامل والمرضع أنهما يطعمان ولا قضاء عليهما على ما يأتي
الثانية عشرة: واختلف من أوجب عليه الإطعام في قدر ما يجب أن يطعم فكان أبو هريرة والقاسم بن محمد و مالك و الشافعي يقولون: يطعم عن كل يوم مدا وقال الثوري: يطعم نصف صاع عن كل يوم
الثالثة عشرة: واختلفوا فيمن أفطر أو جامع في قضاء رمضان ماذا يجب عليه فقال مالك: من أفطر يوما من قضاء رمضان ناسيا لم يكن عليه شيء غير قضائه ويستحب له أن يتمادى فيه للاختلاف ثم يقضيه ولو أفطره عامدا أثم ولم يكن عليه غير قضاء ذلك اليوم ولا يتمادى لأنه لا معنى لكفه عما يكف الصائم ها هنا إذ هو غير صائم عند جماعة العلماء لإفطاره عامدا وأما الكفارة فلا خلاف عند مالك وأصحابه أنها لا تجب في ذلك وهو قول جمهور العلماء قال مالك: ليس على من أفطر يوما من قضاء رمضان بإصابة أهله أو غير ذلك كفارة وإنما عليه قضاء ذلك اليوم وقال قتادة: على من جامع في قضاء رمضان القضاء والكفارة وروى ابن القاسم عن مالك أن من أفطر في قضاء رمضان فعليه يومان وكان ابن القاسم يفتي به ثم رجع عنه ثم قال: إن أفطر عمدا في قضاء القضاء كان عليه مكانه صايم يومين كمن أفسد حجة بإصابة أهله وحج قابلا فافسد حجة أيضا بإصابة أهله كان عليه حجتان قال أبو عمر: قد خالفه في الحج ابن وهب وعبد الملك وليس يجب القياس على اصل مختلف فيه والصواب عندي ـ والله أعلم ـ أنه ليس عليه في الوجهين إلا قضاء يوم واحد لأنه يوم واحد أفسده مرتين
قلت: وهو مقتضى قوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} فمتى أتى بيوم تام بدلا عما أفطره في قضاء رمضان فقد أتى بالواجب عليه ولا يجب عليه غير ذلك والله اعلم
الرابعة عشرة: والجمهور على أن من أفطر في رمضان لعلة فمات من علته تلك أو سافر فمات في سفره ذلك أنه لا شيء عليه وقال طاوس و قتادة في المريض يموت قبل أن يصح: يطعم عنه
الخامسة عشرة: واختلفوا فيمن مات وعليه صوم من رمضان لم يقضه فقال مالك و الشافعي و الثوري: لا يصوم أحد وقال أحمد و إسحاق و أبو ثور و الليث و أبو عبيد وأهل الظاهر: يصام عنه إلا أنهم خصصوه بالنذر وروي مثله عن الشافعي وقال أحمد و إسحاق في قضاء رمضان: يطعم عنه احتج من قال بالصوم بمارواه مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
[من مات وعليه صيام صام عنه وليه] إلا أن هذا عام في الصوم يخصصه ما رواه مسلم أيضا عن ابن عباس قال:
[جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أمي قد ماتت وعليها صوم نذر ـ وفي رواية صوم شهر ـ أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدى ذلك عنها قالت: نعم قال: فصومي عن أمك] احتج مالك ومن وافقه بقوله سبحانه: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وقوله: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وقوله: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} وبما خرجه النسائي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
[لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة]
¥