تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثانية عشرة: قد تقرر أن فرض الصوم مستحق بالإسلام والبلوغ والعلم بالشهر فإذا أسلم الكافر أو بلغ الصبي قبل الفجر لزمهما الصوم صبيحة اليوم وإن كان بعد الفجر استحب لهما الإمساك وليس عليهما قضاء الماضي من الشهر ولا اليوم الذي بلغ فيه أو أسلم وقد اختلف العلماء في الكافر يسلم في آخر يوم من رمضان هل يجب عليه قضاء رمضان كله أو لا؟ وهل يجب عليه قضاء اليوم الذي اسلم فيه؟ فقال الإمام مالك والجمهور: ليس عليه قضاء ما مضى لأنه إنما شهد الشهر من حين إسلامه قال مالك: وأحب إلي أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه وقال عطاء و الحسن: يصوم ما بقي ويقضي ما مضى وقال عبد الملك بن الماجشون: يكف عن الأكل في ذلك اليوم ويقضيه وقال أحمد و إسحاق مثله وقال ابن المنذر: ليس عليه أن يقضي ما مضى من الشهر ولا ذلك اليوم وقال الباجي: من قال من أصحابنا إن الكفار مخاطبون بشرائع الإسلام ـ وهو مقتضى قول مالك و أكثر أصحابه ـ أوجب عليه الإمساك في بقية يومه ورواه في المدونة بن نافع عن مالك وقاله الشيخ أبو القاسم ومن قال من أصحابنا ليسوا مخاطبين قال: لا يلزمه الإمساك في بقية يومه وهو مقتضى قول أشهب وعبد الملك بن الماجشون وقاله بان القاسم

قلت: وهو الصحيح لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} فخاطب المؤمنين دون غيرهم وهذا واضح فلا يجب عليه الإمساك في بقية اليوم ولا قضاء ما مضى وتقدم الكلام في معنى قوله: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} والحمد لله

الثالثة عشرة: قوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر} قراءة جماعة اليسر بضم السين لغتان وكذلك العسر قال مجاهد و الضحاك: اليسر الفطر في السفر و العسر الصوم في السفر والوجه عموم اللفظ في جميع أمور الدين كما قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم:

[دين الله يسر] وقال صلى الله عليه وسلم:

[يسروا ولا تعسروا] واليسر من السهولة ومنه اليسار للغنى وسميت اليد اليسرى تفاؤلا أو لأنه يسهل له الأمر بمعاونتها لليمنى قولان وقوله: {ولا يريد بكم العسر} وهو بمعنى قوله: {يريد الله بكم اليسر} فكرر تأكيدا

الرابعة عشرة: دلت الآية على أن الله سبحانه مريد بإرادة قديمة أزلية زائدة على الذات هذا مذهب أهل السنة كما أنه عالم لعلم قادر بقدرة حي بحياة سميع بسمع بصير ببصر متكلم بكلام وهذه كلها معان وجودية أزلية زائدة على الذات وذهب الفلاسفة والشيعة إلى نفيها تعالى الله عن قول الزائغين وإبطال المبطلين والذي يقطع دابر اهل التعطيل أن يقال: لو لم يصدق كونه ذا إرادة لصدق أنه ليس بذي إرادة ولو صح ذلك لكان كل ما ليس بذي إرادة ناقصا بالنسبة إلى من له إرادة فإن من كانت له الصفات الإرادية فله أن يخصص الشيء وله ألا يخصصه فالعقل السليم يقضي بأن ذلك كمال له وليس بنقصان حتى إنه لو قدر بالوهم سلب ذلك الأمر عنه لقد كان حاله اولا أكمل بالنسبة إلى حاله ثانيا فلم يبق إلا أن يكون ما لم يتصف أنقص مما هو متصف به ولا يخفى ما فيه من المحال فإنه كيف يتصور أن يكون المخلوق أكمل من الخالق والخالق أنقص منه والبديهة تقضي برده وإبطاله وقد وصف نفسه جل وجلاله وتقدست أسماؤه بأنه مريد فقال تعالى: {فعال لما يريد} وقال سبحانه: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقال: {يريد الله أن يخفف عنكم} إذا أراد امرا فإنما يقول له كن فيكون ثم إن هذا العالم على غاية من الحكمة والإتقان والانتظام والإحكام وهو مع ذلك جائز وجوده وجائز عدمه فالذي خصصه بالوجود يجب أن يكون مريدا له قادرا عليه عالما به فإن لم يكن عالما قادرا لا يصح منه صدور شيء ومن لم يكن عالما وإن كان قادرا لم يكن له ما صدر منه على نظام الحكمة والأتقان ومن لم يكن مريدا لم يكن تخصيص بعض الجائزات بأحوال وأوقات دون البعض بأولى من العكس إذ نسبتها إليه نسبة واحدة قالوا: وإذ ثبت كونه قادرا مريدا وجب أن يكون حيا إذ الحياة شرط هذه الصفات ويلزم من كونه حيا أن يكون سميعا بصيرا متكلما فإن لم تثتب له هذه الصفات فإنه لا محالة متصف بأضدادها كالعمى والطرش والخرس على ما عرف في الشاهد والبارىء سبحانه وتعالى يتقدس عن أن يتصف بما يوجب في ذاته نقصا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير