تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن تسميته للشيء بما يلابسه أو ينتج عنه ما ورد من تسميته النوم بردًا، وعليه حُملَ قوله تعالى: (لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً) (النبأ:24)؛: لا يذوقون نومًا ولا شرابًا، وإنما سمَّوا النوم بردًا؛ لأنَّ النائم يبرد جسمه، والله أعلم.

ومن ذهب إلى هذا التفسير فإنَّ قوله ـ من جهة التفسير ـ يتضمَّنُ قول من قال: أصلح عملك؛ لأنَّ إصلاح العمل جزءٌ من تطهير النفس، والله أعلم.

لكن لو ذهب مرجِّح إلى ترجيح معنى الثياب الملبوسة في هذه الآية لغلبة هذا الاستعمال على معنى اللفظة عند العرب، وكونه هو الظاهر المتبادر في تفسيرها لجاز، وهو مذهبٌ صحيح في ترجيح هذا المعنى.

مثالٌ آخر:

مادة (لبس) أصل صحيح واحد يدل على مخالطة ومداخلة، قاله ابن فارس في مقاييس اللغة. وجعل الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن أصل اللبس: السَّتر (2)، والذي يظهر من هذه المادة أن أصلها ما ذهب إليه ابن فارس، وما قاله الراغب إنما هو أثر من آثار أصل هذه المادة، وليس هو أصلها، فلاختلاط والمداخلة مظِنَّةُ السَّتر، ويمكن أن بقال: كل مخالطة يقع فيها سَتْرٌ، ولا يلزم أنَّ كل سترٍ يكون فيه مخالطة.

ومما ورد من تصريفات الألفاظ من هذه المادة في القرآن: (لباس / لبسنا / يلبسون / تلبسون / يلبسكم / لبس / لبوس)

ومما جاء على أصل معنى المادة في القرآن:

قوله تعالى: (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:42).

وقوله تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) (الأنعام:9).

وقوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82).

وأشهر المعاني والإطلاقات في هذه المادة يعود إلى الثياب الملبوسة، ومنها:

قوله تعالى: (يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ) (الدخان:53).

وقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (لأعراف:26).

وقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (لأعراف:27).

وقوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (فاطر:33).

وقد غلب هذه الاستعمال ـ وهو الثياب الملبوسة ـ على هذه المادة، حتى كاد أن يكون أصلاً لها، لذا ترى أنَّ التشبيه يقع بها في بعض موارد لفظ اللبس، ومن ذلك قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (البقرة:187).

وقوله تعالى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) (لأعراف:26).

وقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً) (الفرقان:47).

وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً) (النبأ:10).

وقوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112).

وكلُّ هذه السياق نُظِرَ فيها إلى معنى الثياب الملبوسة، ووقع تنظير هذه المعاني في هذه السياقات بها، وعلى سبيل المثال: جُعِلَ الليل بمخالطته للناس وتغطيته لهم كاللباس الذي يخالطهم ويغطيهم، وقس على ذلك غيرها من الآيات الأخرى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير