تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقذف المحصنات قلب للحقيقة، حيث يجعل العفيفات زانيات.

وأما الصرف والتقليب فهو المعنى الأصلي للفظة.

والسحر: فيه قلب للحقائق، وجعل الباطل حقًّا والحقَّ باطلاً.

2 ـ وإذا رجعت إلى استعمال العرب للإفك، فإنه يغلب إطلاقه على أشدِّ الكذبِ، ويرجع إلى هذا المعنى الوجه الأول والثاني والثالث والرابع.

فالرابع مثلاً، وهو قذف المحصنات، إنما ذُكِر وجهًا مستقلاً نظرًا لأن المراد بالإفك في هذا الموضع الافتراء الذي افتراه المنافقون في حقِّ بيت النبوة، حيث قذفوا عائشة رضي الله عنها، وهو في النهاية عائد إلى الكذب، وإنما جاء التعبير عنه يقذف المحصنات؛ لأنَّ مراد المؤلف هنا بيان المراد بالإفك من جهة الاستعمال السياقي وليس بيان معناه من جهة اللغة.

كما يرجع إلى هذا المعنى الوجه السابع، وهو السحر؛ لأنَّ الآية التي استدل بها لهذا الوجه تدلُّ على هذا، وهي قوله تعالى: (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) (الشعراء:45)، أي: ما يكذبونه من العصي والحبال التي يسحرون بها أعين الناس فيخيل للناس أنها ثعابين، وهي ليست كذلك.

وأما الألفاظ: (يؤفك / تأفكنا / المؤتفكات)، فإنها تأتي بمعنى الصرف والقلب الذي هو أصل معنى اللفظ، ولذا فالوجه الخامس والسادس معناهما واحدٌ، ولا داعي لجعلهما وجهين متغايرين.

ولو تُتُبِّعت أقوال المفسرين في تفسير الألفاظ لوجدتهم كثيرًا ما يبينون المراد باللفظ في سياقه دون ردِّه إلى معناه اللغوي، وعلى هذا الأسلوب جمهور تفسير السلف، وهو ما يُعبَّر عنه (بالتفسير على المعنى).

وعلى سبيل المثال، لو رجعت إلى تفسير قوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) (لأعراف:117)، فإنك ستجد في تفسير السلف ليأفكون:

1 ـ يكذبون، وذلك قول مجاهد، وهو بيان لمعنى الإفك من جهة الاستعمال اللغوي، وهو مراد في الآية.

2 ـ حبالهم وعصيهم، وهذا قول الحسن، وهذا بيان للمراد من جهة السياق، فالذي يأفكونه؛ أي يكذبون به هو حبالهم وعصيُّهم.

ولا تنافي بين القولين، فالأول بين المعنى المراد من جهة اللغة، والثاني بين المعنى المراد من جهة السياق، والله أعلم.

والنظر إلى الاستعمال السياقي للفظة جعل بعض المفسرين يحكمون بالخطأ على بعض التفاسير، وليست تلك التخطئة بسديدة؛ لأنَّ المفسر غير ملزم دائمًا ببيان المعنى من جهة اللغة، بل قد يكون بيان اللفظة من جهة اللغة في مثل هذا الحال من الاستطراد الذي لا يحتاجه المقام.

والنظر إلى الاستعمال السياقي لا ينفك عنه اللغوي الذي يقصد بيان الألفاظ القرآن وعربيته، بله مفسرو السلف الذين يكثر في تفسيرهم الاعتناء ببيان المعاني دون تحرير الألفاظ من جهة اللغة، ومن أمثلة ذلك تفسير أبي عبيدة كمعمر بن المثنى البصري (ت: 210) لقوله تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْل) (البقرة: من الآية191)، قال: ((أي: الكفر أشدُّ من القتل في أشهر الحُرُمِ؛ يقال: رجلٌ مفتونٌ في دينه؛ أي: كافر)). (مجاز القرآن / 1: 68).

ولو ذهب أبو عبيدة إلى التفسير اللغوي، لقال: الفتنة: الامتحان والاختبار، لكنه ذهب إلى تفسير المراد بالفتنة في هذا السياق، وهو الكفر، والله أعلم.

وقد يجمع بين التفسير على اللفظ والتفسير على المعنى، وذلك في مثل قوله تعالى: (وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (الأعراف: من الآية24)، قال: ((إلى وقت يوم القيامة، وقال:

وما مِزَاحُكَ بَعْدَ الحِلْمِ والدِّينِ وقد علاكَ مَشِيبٌ حين لا حين

أي: وقت لا وقت)). (مجاز القرآن / 1: 212).

فقوله: ((إلى وقت)) هذا بيان لغوي لمعنى الحين.

وقوله: ((يوم القيامة)) هذا بيان للمراد بالحين على التعيين في هذا السياق، وهذا تفسير معنى.

وهناك فرع لمسألة التفسير على المعنى اللغوي والتفسير على المعنى السياقي لعلي أطرحه لاحقًا إن شاء الله.

وللحديث بقية.

ـــــــــــــــ

(1) قد يسمى هذا العلم بالأشباه والنظائر، وهذه التسمية فيها نظر، وقد بيَّنته في كتابي (التفسير اللغوي للقرآن الكريم: ص: 89 ـ 90

=================================================

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير