تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 - ما يرويه الصحابي عن الصحابي:

قد تكون الرواية عن الصحابي مجردة من السؤال، بحيث يورد الصحابي

تفسير الصحابي إيراداً من غير سؤال، أو تكون عن سؤالٍ؛ ومنه: ما رواه

البخاري عن ابن عباس في قوله (تعالى):] .. وَإن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [[التحريم: 4].

قال ابن عباس: أردت أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على

رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمكثت سنة، فلم أجد له موضعاً، حتى

خرجت معه حاجّاً، فلما كنّا بظهران ذهب عمر لحاجته، فقال: أدركني بالوضوء، فأدركته بالإداوة، فجعلت أسكب عليه، ورأيت موضعاً، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان اللتان تظاهرتا؟

قال ابن عباس: فما أتممت كلامي حتى قال: عائشة وحفصة) [6].

ويدخل في باب الرواية: ما كان من أسباب النزول، أو أحوال من نزل فيهم

القرآن، إذا كان الصحابي لم يحضر السبب أو الحال، فإن طريقه في ذلك:

الرواية، وروايته مقبولة في ذلك، وإن لم ينسبها إلى من رواها له من الصحابة،

وذلك لأن الصحابة عدول باتفاق الأمة.

ويمكن التمثيل لهذا بما يرويه صغار الصحابة أو من تأخر إسلامهم من أحداثٍ

لم يحضروها أو يعاصروها.

ومن أمثلة ذلك: ما رواه: أبو هريرة، وابن عباس في تفسير قوله (تعالى):] وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [[الشعراء: 214] من أن رسول الله -صلى الله عليه

وسلم- صعد الصفا، ونادى بطون قريش .. إلى آخر الحديث [7].

وذلك أن أبا هريرة أسلم في المدينة، وابن عباس ولد قبل الهجرة بثلاث

سنين، والحدث الذي يرويانه في تفسير الآية كان بمكة، وكان في أوائل سني

البعثة.

3 - ما يروونه من المغيّبات:

تشمل الأمور الغيبية ما مضى، وما سيكون، والأخبار الماضية إما أن يكون

مصدرها الرسول، وهذا هو المراد، وإما أن يكون مصدرها أهل الكتاب، وهذا

يدخل في البحث السابق.

أما الأخبار المستقبلية، فالغالب أنها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،

وقد يرد منها ما هو عن أهل الكتاب.

وها هنا مسألة تحتاج إلى بحث، وهي: كيف نُميّزُ ما روي عن أهل الكتاب

مما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟.

الجواب: ( ................ ).

هذا .. وما يُروى عن أهل الكتاب، فقد اصطلح العلماء على تسميته بـ

(الإسرائيليات). وهي عند الصحابة على قسمين من حيث التحمّل في الرواية:

الأول: السماع منهم، وهذا يأخذونه عن بعض مسلمة أهل الكتاب: كابن

سلام من الصحابة، وكعب الأحبار وأبي الجلد من التابعين.

ويظهر من استقراء المرويات الإسرائيلية أن الصحابة لا يسندون مروياتهم

في الغالب مما يجعل الباحث لا يجزم بالأخذ المباشر عن مُسِلمةِ بني إسرائيل، بل

قد يكون مما اطّلعوا عليه وقرؤوه، والله أعلم.

ومن أمثلة الرواية عن عبد الله بن سلام: ما رواه ابن مُجلّز، قال: (جلس

ابن عباس إلى عبد الله بن سلام، فسأله عن الهدهد، لم تفقّده سليمان من بين الطير؟

فقال عبد الله بن سلام: إن سليمان نزل منزلة في مسيرٍ له، فلم يَدْرِ ما بُعْدُ

الماء، فقال: من يعلم بُعْدَ الماء؟، قالوا: الهدهد، فذلك حين تفقّده) [8].

الثاني: ما يكون من طريق الوجادة، وهو ما يقرؤونه من كتب أهل الكتاب، كما حصل لعبد الله بن عمرو بن العاص من إصابته زاملتين فيها كتبٌ من كتب

أهل الكتاب [9].

اسْتِطْرَادٌ:

مما يحسن توجيه النظر إليه في هذا المبحث، أن بعض المعاصرين قد شنّ

غارة على وجود مرويات بني إسرائيل في تفسير الصحابة، وعدّ ذلك من عيوب

تفسيرهم.

والذي يجب التنبّه له أن الحديث عن الإسرائيليات يَطَال سلف الأمة من

المفسرين: صحابةً، وتابعين، ولقد كان هؤلاء أعلم الناس بالتفسير، وأعظم

الذائدين عن الدين كل تحريف وبطلان.

لقد تجوّز سلف هذه الأمة في رواية الإسرائيليات، أفلم يكونوا يعرفون حكم

روايتها ومنزلتها في التفسير؟.

ألم يكونوا يميّزون هذه الإسرائيليات التي استطاع المتأخرون تمييزها؟!

وإذا كان ذلك كذلك؟ فما الضرر من روايتها؟.

ألا يكفي المفسر بأن يحكم على الخبر بأنه إسرائيلي، مما يجعله يتوقف في

قبول الخبر؟.

إن بحث (الإسرائيليات) يحتاج إلى إعادة نظر فيما يتعلق بمنهج سلف الأمة

في روايتهم لها، ومن أهم ما يجب بحثه في ذلك ما يلي:

1 - جَمْعُ مروياتهم فيها، وجَعْلُ مرويات كل مفسرٍ على حِدَةٍ.

2 - محاولة معرفة طريق تحمّل المفسر لها، وكيفية أدائه لها، فهل كان

يكتفي بعرضها ثقةً منه بتلاميذه الناقلين عنه؟

أو هل كان ينقدها، ويبين لتلاميذه ما فيها؟

3 - ما مدى اعتماد المفسر عليها؟

وهل كان يذكرها على سبيل الرواية لما عنده في تفسير هذه الآية، من غير

نظر إلى صحة وضعف المروي؟

أوْ هل كان يرويها على سبيل الاستئناس بها في التفسير؟

أو هل يعتمد عليها، ويبني فهم الآية على ما يرويه منها؟

تلك المسائل وغيرها لا يتأتّى إلا بعد جمع المرويات، واستنطاقها لإبراز

جوابات هذه الأسئلة وغيرها مما يمكن أن يَثُورَ مع البحث.

ثم بعد هذا يمكن استنباط منهج السلف وموقفهم من الإسرائيليات في التفسير.

والله أعلم.


(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (العلم: إما نقلٌ مُصَدّقٌ، وإما استدلال محقّقٌ) (مقدمة في أصول التفسير، ص55).
(2) رواه البخاري (فتح الباري، ج8 ص24 25).
(3) رواه البخاري (فتح الباري، ج8 ص37).
(4) رواه مسلم في صحيحه (رقم 1398).
(5) انظر: البخاري (فتح الباري، ج8 ص402).
(6) رواه البخاري (فتح الباري، ج8 ص527).
(7) انظر روايتهما في: صحيح البخاري (فتح الباري، ج8 ص 360).
(*) جواب هذا السؤال يحتاج بحثاً خاصّاً، والمراد هنا الإشارة إلى هذا الإشكال فقط.
(8) تفسير الطبري، ج19 ص 143 وانظر: سؤال ابن عباس لأبي الجلد في تفسير الطبري: ج1 ص 151، 13، 123.
(9) رواه البخاري (فتح الباري، ج1 ص167).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير