تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[13 - 03 - 03, 05:59 ص]ـ

التفسير بالرأي

مفهومه .. حكمه .. أنواعه

(2من2)

مساعد الطيار

تناول الكاتب في الحلقة الماضية إيضاح مفهوم الرأي، وأنواعه، وموقف

السلف منه، حيث تراوح هذا الموقف بين ذمه وإعماله، ثم أوضح العلوم التي

يدخلها الرأي، وحكم القول بالرأي، الذي شمل: الرأي المذموم والرأي المحمود ..

وأخيراً عرض الكاتب: الرأي في التفسير، فتناول فيه: موقف السلف منه،

وأنواع الرأي في التفسير، ويستكمل بيان هذه النقطة ونقاط أخرى في هذه الحلقة.

- البيان -

شروط الرأي المحمود في التفسير:

متى يكون الرأي محموداً؟

سبق في بيان حدِّ الرأي المحمود أنه ما كان قولاً مستنداً إلى علمٍ؛ فإن كان

كذلك فهو رأيٌ جائز، وما خرج عن ذلك فهو مذموم.

ولكن .. هل لهذا العلم حدّ يُعْرَفُ به، بحيث يمكن تمييزه والتعويل عليه في

الحكم على أيِّ رأيٍ في التفسير؟

لقد اجتهد بعض المتأخرين في بيان جملة العلوم التي يحتاجها من يفسر برأيه

حتى يخرج عن كونه رأياً مذموماً.

فالراغب الأصفهاني (ت: القرن الخامس) جعلها عشرة علوم، وهي: علم

اللغة، والاشتقاق، والنحو، والقراءات، والسّيَر، والحديث، وأصول الفقه،

وعلم الأحكام، وعلم الكلام، وعلم الموهبة [1].

وجعلها شمس الدين الأصفهاني (ت: 749) خمسة عشر علماً، وهي: علم

اللغة، والاشتقاق، والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع،

والقراءات، وأسباب النزول، والآثار والأخبار، والسنن، وأصول الفقه، والفقه

والأخلاق، والنظر والكلام، والموهبة [2].

وقد ذكر الأصفهانيان أن من تكاملت فيه هذه العلوم خرج عن كونه مفسراً

للقرآن برأيه (أي: المذموم).

وقد نبّه الراغب على أن (من نقص عن بعض ما ليس بواجبٍ معرفته في

تفسير القرآن، وأحسّ من نفسه في ذلك بنقصه، واستعان بأربابه، واقتبس منهم،

واستضاء بأقوالهم، لم يكن - إن شاء الله - من المفسرين برأيهم) [3].

(أي: المذموم).

وفيما يظهر - والله أعلم - أن في ذكر هذه العلوم تكثّّراً لا دليل عليه، مع ما

على بعضها من ملاحظة؛ كعلم الكلام.

إن تكامل هذه العلوم أشبه بأن يكون شرطاً في المجتهد المطلق لا في المفسر؛

إذ متى يبلغ مفسر تكامل هذه العلوم فيه؟

ولو طُبق هذا الرأي في العلوم المذكورة لخرج كثير من المفسرين من زمرة

العالمين بالتفسير، ولذا تحرّز الراغب بذكر حال من نقص علمه ببعض هذه العلوم، وبهذا يكون ما ذكره بياناً لكمال الأدوات التي يحسن بالمفسر أن يتقنها، وإن لم

يحصل له ذلك فإنه يعمد إلى النقل فيما لا يتفق له.

ويظهر أن أغلب المفسرين على هذا السبيل، ولذا ترى الواحد منهم يُبرِز في

تفسيره العلم الذي له به عناية؛ فإن كان فقيهاً - كالقرطبي، برز عنده تفسير آيات

الأحكام.

وإن كان نحوياً - كأبي حيان - برز عنده علم النحو في تفسيره للقرآن.

وإن كان بلاغياً أديباً - كالزمخشري - برز عنده علم البلاغة في تفسيره

للقرآن، ... وهكذا.

هذا .. ويمكن القول بأن النظر في هذا الموضوع يلزم منه معرفة ما يمكن

إعمال الرأي فيه، مما لا يمكن، ثم تحديد مفهوم التفسير لمعرفة العلوم التي

يحتاجها المفسر برأيه.

أما التفسير فنوعان: ما جهته النقل، وما جهته الاستدلال.

والأول: لا مجال للرأي فيه، والثاني: هو مجال الرأي.

ومن التفسير الذي جهته النقل: أسباب النزول، وقصص الآي، والمغيبات،

ويدخل فيه كلّ ما لا يتطرّق إليه الاحتمال؛ كأن يكون للفظ معنى واحدٌ في لغة

العرب.

وأما التفسير من جهة الاستدلال فكل ما تطرّق إليه الاحتمال؛ لأن توجيه

الخطاب إلى أحد المحتملات دون غيره إنما هو برأيٍ من المفسر، وبهذا برز

الاختلاف في التفسير.

وأما مفهوم التفسير؛ فهو بيان المراد من كلام الله سبحانه وما يمكن أن

يحصل به البيان فهو تفسيرٌ.

وبهذا يظهر أن كثيراً من العلوم التي ذكرها الأصفهانيان لا يلزمان في التفسير

إلا بقدر ما يحصل به البيان، وما عدا ذلك فهو توسّع في التفسير، بل قد يكون في

بعض الأحيان به خروجٌ عن معنى التفسير، كما حصل للرازي (ت: 604) في

تفسيره، ولابن عرفه (ت: 803) في إملاءاته في التفسير.

ثم اعلم أن هذه التوسعات إنما حصلت بعد جيل الصحابة والتابعين - في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير