تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تحريم لحمه المذكور في قوله تعالى:] إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ [

(البقرة: 173).

اختلاف التنوع والإجماع:

أكثر الخلاف الوارد في التفسير بين مفسري السلف هو من باب اختلاف

التنوع.

وقد قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية أحسن تقرير فقال: «الخلافُ بين

السلف في التفسير قليلٌ، وخلافهم في الأحكام أكثرُ من خلافهم في التفسير، وغالب

ما يصح عنهم من الخلاف: يرجع إلى اختلاف تنوع، لا إلى اختلاف تضاد» [1].

وقال الشاطبي رحمه الله: «من الخلاف ما لا يعتد به في الخلاف، وهو

ضربان:

أحدهما: ما كان من الأقوال خطأً مخالفاً لمقطوع به في الشريعة، وقد تقدم

التنبيه عليه.

والثاني: ما كان ظاهره الخلاف، وليس في الحقيقة كذلك، وأكثر ما يقع ذلك

في تفسير الكتاب والسنة، فتجد المفسرين ينقلون عن السلف في معاني ألفاظ الكتاب

أقوالاً مختلفة في الظاهر، فإذا اعتبرتها وجدتها تتلاقى على العبارة [2] كالمعنى

الواحد، والأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل

فلا يصحُّ نقلُ الخلافِ فيها عنه، وهكذا يتفق في شرح السنة، وكذلك في فتاوى

الأئمة وكلامهم في مسائل العلم، وهذا الموضع مما يجب تحقيقه؛ فإنَّ نقل الخلاف

في مسألة لا خلاف فيها في الحقيقة خطأ، كما أن نقل الوِفاق في موضع الخلافِ لا

يصح» [3].

إذا تقرر هذا فإن الحديث عن أثر اختلاف التنوع على الإجماع يدعو إلى

معرفة أقسام اختلاف التنوع بين المفسرين [4]، وهي على النحو الآتي:

الأول: اختلاف في اللفظ دون المعنى، وهذا لا تأثير له في تفسير الآية.

ومن أمثلته: ما ذكره المفسرون من الاختلاف في تفسير كلمة «قضى» من قوله

تعالى:] وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ [(الإسراء: 23)، فقال ابن عباس:

] وَقَضَى [(الإسراء: 23): أمر. وقال مجاهد:] وَقَضَى [(الإسراء:

23): وصَّى. وفسَّرها الربيع بن أنس بـ «أوجب». وهذه التفسيرات معناها

واحد أو متقارب، فلا تأثير لهذا الاختلاف في معنى الآية.

الثاني: اختلاف في اللفظ والمعنى، والآية تحتمل المعنيين لعدم التضاد

بينهما، فتُحْمَل الآية عليهما وتفسر بهما، ويكون الجمع بين هذا الاختلاف أن كل

واحد من القولين ذُكِرَ على وجه التمثيل لما تعنيه الآية أو التنويع، وهذا يشمل

نوعين:

أوّلهما: ما عبَّر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: «أن يعبر كلُّ واحد منهم

عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمَّى غير المعنى الآخر

مع اتحاد المسمَّى» [5] كتفسيرهم:] اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ [(الفاتحة: 6)،

بالقرآن، وبالإسلام، وبالسنة والجماعة.

ثانيهما: أن يذكر كل واحد منهم من الاسم بعض أنواعه على سبيل المثال؛

كتفسيرهم:] ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ [(فاطر: 32) [6]. بالذي يؤخِّر العصرَ إلى

الاصفرار، أو بآكل الربا، أو مانع الزكاة، و] مُّقْتَصِدٌ [(فاطر: 32): بالذي

يُصلِّي في أثناء الوقت، أو الذي يؤتي الزكاة المفروضة، ولا يأكل الربا،

و] سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [(فاطر: 32): بالذي يصلي في أول الوقت، أو

بالمُحسن بأداء الواجبات مع المستحبات، وبالمتصدق مع إخراجه

الزكاة [7].

وبناءاً على هذا التقسيم يمكن الإجابة عن أثر اختلاف التنوع في الإجماع بأن

يقال:

أما القسم الأول: فإنه لا أثر للاختلاف فيه على حكاية الإجماع؛ لأن اختلاف

الألفاظ في التعبير عن المعنى المراد أمرٌ معهود، بل لا يكاد يُسْلَم منه، وإذا كان

المقصود من التفسير هو الوصول إلى المعنى فإن اختلاف اللفظ في التعبير عنه لا

يضرُّ قطعاً.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومن الأقوال الموجودة عنهم (أي السلف)

ويجعلها بعض الناس اختلافاً أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة؛ فإن

الترادف في اللغة قليل. وأما في ألفاظ القرآن فإما نادرٌ وإما معدومٌ، وقَلَّ أن

يعبروا عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه، بل يكون فيه تقريب لمعناه،

وهذا من أسباب إعجاز القرآن» [8].

ومن أمثلة ذلك: ما ذكره ابن عطية في قوله تعالى:] وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير