وقال أبو جعفر النحاس: السلامة عند أهل الدّين، إذا صحت القراءتان ألاّ يقال إحداهما أجود، لأنهما جميعاً عن النّبيّ e فيأثم من قال ذلك.
وقال أبو شامة: أكثر المصنفون من الترجيح بين قراءة "مَالِكِ"و"مَلِكِ" حتى إنّ بعضهم يبالغ إلى حدّ يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين.
وقال بعضهم: توجيه القراءة الشاذة أقوى في الصناعة من توجيه المشهورة). ([318])
11 - آراؤه في مسائل أخرى تتعلق بالقراءة و الأداء:
أ - رأيه في مقدار المد الأصلى وغير الأصلى:
قال: (فالأول يؤتى فيه بالألف و الواو و الياء ممكنات من غير زيادة، والثاني يزاد في تمكين الألف و الواو و الياء زيادة على المد الذي لا يمكن النطق بها إلا به من غير إسراف، والمذهب الأعدل أنه يمد كل حرف منها ضعفي ما كان يمده أولاً وقد يزاد على ذلك قليلاً، وما فرط فهو غير محمود) ([319]) أهـ.
قلت: وما ذهب إليه في تقدير المدّ الأصلي عبّر عنه أهل التجويد بـ"مقدار ألِفَين"، وما ذكره في "المذهب الأعدل" قدّروه "بأربع ألِفَات"، وبعضهم يعبّر عنه بـ"الحركات" بدل "الألِفَات"، وهذا مما تحكم المشافهة حقيقته، ويبين الأداء
كيفيّته، وتوضحه الحكاية. ([320])
ب- رأيه في القراءة بالأنغام:
بعد أن شرح حديث التغني بالقرآن ([321]) وذكر الأقوال في معناه، أورد خلاف العلماء في القراءة بالألحان، ثم قال في آخره: (والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسناً "فليحسنه ما استطاع" كما قال ابن أبي مليكة أحد رواة الحديث، وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح ([322]). ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النغم فإن الحسن الصوت يزداد حسناً بذلك، وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يف تحسين الصوت بقبح الأداء، ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعي الأداء، فإن وجد من يراعيهما معاً فلا شك في أنّه أرجح من غيره، لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء و الله أعلم) ([323]) أهـ.
قلت: هذه المسألة محلّ بحث ونظر، وقد أورد الحافظ خلاف العلماء فيها وخلاصته:
1) أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حدّ القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتى زاد حرفاً أو أخفاه حرم، حكاه النووي. ([324])
2) اختلف العلماء في القراءة بالألحان، فحكي عن مالك تحريمه، وحكاه أبو الطيب الطبري والماوردي وابن حمدان الحنبلي عن جماعة من أهل العلم، وحكى ابن بطّال وعياض والقرطبي من المالكية والماوردي والبنديجي والغزالي من الشافعية وصاحب الذخيرة من الحنفية الكراهة، واختاره أبو يعلى وابن عقيل من الحنابلة. وحكى ابن بطال عن جماعة من الصحابة والتابعين الجواز، وهذا هو المنصوص للشافعي ونقله الطحاوي عن الحنفية.
3) إنّ محل هذا الاختلاف إذا لم يختل شيء من الحروف عن مخرجه، فلو تغيّر أجمعوا على
تحريمه. ([325]) قال الماوردي ـ فيما حكاه عنه النووي ـ: (القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه، أو قصر ممدود أو مدّ مقصور أو تمطيط يخلّ به بعض اللفظ ويلتبس المعنى، فهو حرام يُفسَّق به القارئ، ويأثم به المستمع، لأنّه عدل به عن نهجه القويم إلى الاعوجاج، والله تعالى يقول: ((قُرْءآناً عربياً غَيْرَ ذِيْ عِوَجٍ)) ([326])، قال: وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقراءته على ترتيله، كان مباحاً، لأنّه زاد بألحانه في تحسينه). ثمّ قال النووي: (وهذا القسم الأول من القراءة بالألحان المحرمة معصية ابتلي بها بعض العوام الجهلة، والطغام الغشمة، الذين يقرؤون على الجنائز وفي بعض المحافل، وهذه بدعة محرمة ظاهرة). ([327])
جـ) في معنى التلاوة، والفرق يبن لفظتي: "القرآن" و "القراءة":
¥