الحمد لله, النَّاس مأمورون أن يقرؤوا القرآن على الوجه المشروع, كما كان يقرؤه السلف مِن الصحابة والتَّابعين لهم بإحسان, فإنَّ القراءة سنَّةٌ يأخذها الآخِرُ عن الأول, وقد تنازع النَّاس في قراءة الألحان, منهم مَن كرهها مطلقاً؛ بل حرَّمها, ومنهم مَن رخَّص فيها, وأعدل الأقوال فيها أنَّها إن كانت موافقةً لقراءة السَّلف كانت مشروعة, وإن كانت مِن البدعِ المذمومةِ نُهِيَ عنها, والسَّلف كانوا يُحسِّنون القرآن بأصواتهم مِن غير أن يتكلَّفوا أوزان الغناء, مثل ما كان أبو موسى الأشعري 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - يفعل, فقد ثبتَ في الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنَّه قال: ((لقد أُوتِيَ هذا مزماراً مِن مزامير آل داود)) , وقال لأبي موسى الأشعري 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: ((مررتُ بك البارحةَ وأنتَ تقرأُ فَجَعَلْتُ أستمعُ لقراءتك)) فقال: لو علمتُ أنَّك تسمع لحَبَّرتُهُ لك تحبيراً. أي: لحسَّنتُهُ لك تحسيناً, وكان عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - يقول لأبي موسى الأشعري 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: يا أبا موسى ذكِّرنا ربَّنا, فيقرأُ أبو موسى وهم يستمعون لقراءته, وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((زيِّنوا القرآن بأصواتكم)) , وقال: ((للهُ أشدُّ أَذَناً إلى الرَّجلِ الحَسَنِ الصَّوتِ بالقرآنِ مِن صاحب القَيْنَةِ إلى قَيْنَتِهِ)) , وقال: ((ليس مِنَّا مَن لم يَتَغَنَّ بالقرآن)) , وتفسيره عند الأكثرين كالشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما هو تحسينُ الصَّوتِ به, وقد فسَّره ابن عُيينة ووكيع وأبو عُبيد على الاستغناء به, فإذا حَسَّنَ الرَّجلُ صوته بالقرآن كما كان السَّلف يفعلونه - مثل أبي موسى الأشعري 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وغيره – فهذا حَسَنٌ, وأمَّا ما أُحدِثَ بعدَهم مِن تَكَلُّفِ القراءةِ على ألحان الغناء فهذا يُنهى عنه عند جمهور العلماء, لأنَّه بدعة, ولأنَّ ذلك فيه تشبيهُ القرءانِ بالغناء, ولأنَّ ذلك يُورِثُ أن يبقى قلبُ القارئ مصروفاً إلى وَزْنِ اللَّفظِ بميزانِ الغناء, لا يتدبَّره ولا يعقله, وأن يَبْقَى المستمعون يُصْغُونَ إليه لأجل الصوتِ المُلَحَّنِ كما يُصْغَى إلى الغناء, لا لأجلِ استماعِ القرآن, وفهمِهِ, وتدبُّره, والانتفاع به, والله سبحانه أعلم. انتهى من جامع المسائل تحقيق محمد عزير شمس 3/ 301
ـ[أبو عمار الرقي]ــــــــ[30 - 11 - 06, 07:24 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجعل الله سبحانه هذا الملتقى عامراً بالأفاضل الناصحين:
أقول إن قراءة القرآن بالألحان مسألة جرى فيها الخلاف:
فمال بعضهم إلى جواز القراءة بالألحان و ينسب لابن عباس و ابن مسعود رضي الله عنهما و أبي حنيفة و أصحابه و الشافعي في رواية و ابن جرير الطبري و عبيد الله بن أبي بكرة من الطبقة الثالثة من التابعين و يستدل الذين يقولون بجواز القراءة بالألحان:بحديث النبي صلى الله عليه وسلم و أنهم قالوا التغني هو تحسن التلاوة و تجميل الصوت عند القراءة و خطؤوا الطرف الذي فسر التغني بالاستغناء كما مر وقالوا والمحرم لا بد أن يشتمل على مفسدة راجحة أو خالصة و قراءة التطريب و الألحان لا تتضمن شيئاً من ذلك فإنها لا تخرج الكلام عن وضعه و لا تحول بين السامع وبين فهمه.
قالوا و لا بد للنفس من طرب و اشتياق إلى الغناء فعوضت عن طرب الغناء بطرب القرآن كما عوضت عن كل محرم ومكروه بما هو خير لها منه وكما عوضت عن الاستقسام بالأزلام بالاستخارة التي هي محض التوحيد و التوكل و عن السفاح بالنكاح و عن القمار بالمراهنة بالنصال و سباق الخيل و عن السماع الشيطاني بالسماع الرحماني القرآني.
بينما نجد علماء آخرين رفضوا أن يقرأ القرآن بالألحان و لم يجيزوا ذلك و استدلوا بالحديث الذي يرويه حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا القرآن بلحون العرب و أصواتها و إياكم و لحون أهل الكبائر و أهل الفسق فإنه سيجيء بعدي قوم يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء و الرهبانية و النوح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم.
¥