- أنه جاء في رواية مسلم: «أصليت الركعتين»، والألف واللام للعهد، والعهد الأقرب في ذلك المقام تحية المسجد،
والقاعدة في الأصول: [أن العهد القريب مقدم على العهد البعيد]، وهذه القاعدة فرع عن قاعدة وجوب العمل بالظاهر.
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في الفتح: "ويحتمل أن يكون معنى قبل أن تجيء أي إلى الموضع الذي أنت به الآن وفائدة الاستفهام احتمال أن يكون صلاها في مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة كما تقدم في قصة الذي تخطى ويؤكده أن في رواية لمسلم أصليت الركعتين بالألف واللام وهو للعهد ولا عهد هناك أقرب من تحية المسجد".
- أن سنة الجمعة إنما يدخل وقتها بدخول وقت الجمعة وهو زوال الشمس على قول الجمهور، وقد كان يؤذن لها عند الزوال بين يديه- صلى الله عليه وسلم- إذا صعد المنبر، ومن المعلوم أنه يجب السعي إلى الجمعة إذا نودي إليها قال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}،فقوله سبحانه: فاسعوا أمر، والقاعدة في الأصول: [أن الأمر المطلق للوجوب]، وقد علق الأمر على النداء في قوله: إذا نودي، والقاعدة في الأصول: [أن إذا تفيد الشرطية]،فلا يكون المرء ممتثلا للأمر إلا إذا أتى به على ما شُرط، إذا تقرر ذلك فكيف يتسنى لسليك -رضي الله عنه- أن يصلي سنة الجمعة القبلية قبل أن يجيء إلى المسجد؟.
قال الحافظ العراقي-رحمه الله-في طرح التثريب:" أن سنة الجمعة إنما يدخل وقتها بدخول وقت الجمعة وهو زوال الشمس على قول الجمهور وإنما كان يؤذن لها بين يديه عليه الصلاة والسلام إذا صعد المنبر فمتى تمكن سليك أن يصلي سنة الجمعة في بيته؟ ".
ويرده الحنابلة: بأن أول وقت الجمعة أول وقت العيد، وبناء على ذلك فيمكن أن تصلى سنة الجمعة القبلية قبل النداء،
وسيأتي بحثٌ لهذه المسألة-إن شاء الله تعالى-.
-" أن الخلاف بين العلماء إنما هو في تحية المسجد فأما الرواتب فإنها لا تفعل بعد شروع الإمام في الخطبة بلا خلاف"، قاله العراقي في طرح التثريب.
ويرد: بأن هذا من باب عدم العلم بالخلاف، والقاعدة في الأصول: [أن عدم العلم بالخلاف ليس بحجة في إثبات الأحكام الشرعية].
3 - أننا لو سلمنا جدلا بنفي إرادة تحية المسجد بقوله -صلى الله عليه وسلم- أصليت قبل أن تجيء فإنه لا يتعين به -أي بذلك النفي- أن يكون المراد سنة الجمعة القبلية، لأنهما من باب الضدين لا النقيضين، فيحتمل أن يكون المراد صلاة الوضوء مثلا، والقاعدة في الأصول: [أنه إذا نفي الضدُ تعين ضدٌ غيرُ معين لا أي ضد على جهة التحكم].
قال الحافظ العراقي-رحمه الله-في طرح التثريب في مقام ذكر أوجه إبطال الاستدلال بحديث «أصليت قبل أن تجيء»: "ثالثها أنه لم يتعين كونها سنة الجمعة بتقدير أنها ليست التحية فلعلها سنة الوضوء".
وإذا تقرر ذلك فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث.
4 - ما أخرجه أبو داود في سننه قال-رحمه الله-: حدثنا مسدد، حدثنا إسماعيل، أخبرنا أيوب، عن نافع، قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلي بعدها ركعتين في بيته، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
وجه الاستدلال بالحديث: أن ابن عمر- رضي الله عنه- أخبر بأن النبي-صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك، والقاعدة في الأصول: [أن فعله-صلى الله عليه وسلم-التعبدي يفيد الاستحباب]، هذا تقرير الاستحباب والسنية، وأما تقرير كونها راتبة فمن قوله: (كان) , فإن لفظة كان في لغة العرب تدل على الاستمرار، والقاعدة في الأصول: [أن اللغة معتبرة في التفسير].
وأجيب: بأن الاستدلال به لا يتم لوجهين:
الأول: أن اسم الإشارة (في قوله: أن رسول الله كان يفعل ذلك) من لازمه عقلاً مشارٌ إليه، والمشار إليه يحتمل أن يكون إطالة الصلاة قبل الجمعة وصلاة الركعتين بعدها، ويحتمل صلاة الركعتين بعدها فقط، والقاعدة في الأصول: [أنه إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال]، وبذلك يكون ضربا من المجمل، والقاعدة في الأصول:
¥