والقاعدة في الأصول: [أن مذهب الصحابي إذا عارضه مذهب صحابي آخر لا يكون حجة في إثبات الأحكام].
ونوقش: من جهتين:
- الثبوت: فهذا الأثر ليس بثابت، في إسناده سلم بن بشير بن حجل العيشي مجهول، والقاعدة في الأصول: [أن جهالة الراوي تقتضي رد نقله]، وهذا نظير الكلام في الخبر المرفوع، لأن بابهما واحد وهو النقل.
- الدلالة: فليس بين الأثرين تعارض، فيحتمل أنه صلى أربع ركعات على أنها سنة قبلية للجمعة، وأربع ركعات على أنها نافلة مطلقة.
ج- أنه لا يسلم بأن مفاد الأثر الندب، لأنه جاء بصيغة الأمر، والقاعدة في الأصول: [أن الأمر المطلق للوجوب]، والقاعدة في الأصول: [أنه يجب التعامل مع أثر الصحابي من حيث الدلالة نظير التعامل مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قيل بحجيته]، وقد ظهر لي من خلال تأمل مسالك القائلين بحجية قول الصحابي أنهم لم يطردوا في استعمال هذه القاعدة.
د- أنه لا يسلم بأن الركعات الأربع التي كان ابن مسعود -رضي الله عنه- يأمر بها هي السنة القبلية للجمعة، فيحتمل أن تكون نافلة مطلقة قبل الزوال، والقاعدة في الأصول: [أن الاحتمال المساوي يسقط الاستدلال].
إذا تقرر ذلك فلا يصح الاحتجاج بهذا الأثر.
7 - القياس: أي قياس الجمعة على الظهر بجامع اشتراكهما في الوقت، فإذا شُرع للظهر سنة قبلية فكذلك الجمعة.
أجيب: بأن هذا القياس فاسد لأربعة أوجه:
أ-أن القاعدة في الأصول: [لا قياس في العبادات]، وهذا أصل يعتمده الحنفية.
ب-أن هذا قياسٌ في أمر لا يعقل معناه، والقاعدة في الأصول: [القياس فيما لا يعقل معناه فاسد لا يحتج به]، والقاعدة في الأصول: [القياس فرع تَعقُّل المعنى].
ج-أن هذا قياسٌ مع الفارق، والقاعدة في الأصول: [أن القياس مع الفارق قياس فاسد لا يحتج به].
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-في الهدي: "الجمعة صلاةٌ مستقِلة بنفسها تُخالف الظهر في الجهر، والعدد، والخطبة، والشروط المعتبرة لها، وتُوافقها في الوقت، وليس إلحاقُ مسألة النزاع بموارد الاتفاق أولى من إلحاقها بموارد الافتراق، بل إلحاقها بموارد الافتراق أولى، لأنها أكثر مما اتفقا فيه".
د- أن هذا قياسُ دلالة، قد جمع فيه بين الأصل والفرع بحكم من أحكام العلة، وهو سببية الوقت (حكم وضعي)، والقاعدة في الأصول: [أن قياس الدلالة ليس بحجة في إثبات الأحكام].
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-في الهدي:"ولا يجوز إثباتُ السنن في مثل هذا بالقياس، وأن هذا مما انعقد سببُ فعله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يفعله ولم يشرعه، كان تركُه هو السُنَّة، ونظيرُ هذا، أن يُشرع لصلاة العيد سنة قبلها أو بعدها بالقياس، فلذلك كان الصحيحُ أنه لا يسن الغسل للمبيت بمزدلفة، ولا لِرمي الجمار، ولا للطواف، ولا للكسوف، ولا للاستسقاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابَه لم يغتسلوا لذلك مع فعلهم لهذه العبادات".
إذا تقرر ذلك فلا يصح الاحتجاج بهذا القياس.
أدلة أصحاب القول الثاني:
1 - ما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين.
وجه الاستدلال بالحديث: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي قبل الجمعة شيئا، إذ لو حصل ذلك منه لنقله ابن عمر-رضي الله عنه- كما نقل صلاته بعدها، إذا تقرر ذلك وتقررت القاعدة في الأصول: [أن الأصل في العبادات عدم المشروعية] فليس للجمعة سنة قبلية.
وأجيب: بأن القاعدة في الأصول: [أن عدم ذكر الراوي لأمر في الخبر لا يدل على عدمه]، فيحتمل أن ابن عمر-رضي الله عنه- علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي للجمعة سنة قبلية، ولم ينقلها اكتفاءً بدلالة النصوص الأخرى، فغاية ما في الحديث عدم العلم بفعله صلى الله عليه وسلم لها، والقاعدة في الأصول: [أن عدم العلم بالشيء ليس علما بالعدم].
ونوقش: بأنه لم يُعتمد في تقرير الاستدلال بالحديث على عدم العلم فقط، بل على عدم العلم مع الأصل في العبادات الذي هو عدم المشروعية، وما ذكروه دليلا على إثباتها-أي السنة القبلية- لا يصلح أن يكون ناقلا عن الأصل، فيتعين البقاء عليه.
إذا تقرر ذلك فهذا دليل سالم من المعارضة فيتعين المصير إليه.
¥