وقد دلت أحاديث كثيرة على ذلك، حتى حكى الإمام النووي الإجماع على ذلك فقال ـ رحمه الله ـ (المجموع شرح المهذب:4/ 446):" أجمع العلماء على أنه يستحب كون الخطبة على منبر؛ للأحاديث الصحيحة التي أشرنا إليها؛ ولأنه أبلغ في الإعلام؛ ولأن الناس إذا شاهدوا الخطيب كان أبلغ في وعظهم "
المراجع: صحيح البخاري , صحيح مسلم , سنن الترمذي , الجامع لأحكام القرآ ن الكريم للقرطبي , زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم , صحيح الجامع للألباني , خطبة الجمعة وأحكامها الفقهية لعبد العزيز الحجيلان , الشامل في فقه الخطيب
كتبه /أبومالك عدنان المقطري
اليمن ـ تعز
دليل النخبة إلى أحكام الخطبة (2)
حكم خطبة الجمعة
سبق في العدد الأول في هذه السلسلة ذكر مكانة الخطبة , وما مُيزت به من الفضائل وأُُعطيته من المزايا.
وفيما سيأتي نتطرق لحكم خطبة الجمعة وأراء الفقهاء في ذلك حتى يتسنى لطالب العلم والداعية التعرف على كلامهم , وأدلتهم فيما ذهبوا إليه وعولوا عليه.
فأقول مستعيناً بالله تعالي:
- حكم خطبة الجمعة –
اختلف الفقهاء في حكم الخطبة لصلاة الجمعة هل هي شرط لها فلا تصح بدونها، أو سنة فتصح الصلاة بدون خطبة؟ وذلك على قولين:
القول الأول: أن الخطبة شرط للجمعة.
. وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد انظر: بدائع الصنائع (2/ 195) , عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة (1/ 227)، المجموع (4/ 383)، المغني (3/ 15)، مصنف عبدالرزاق (3/ 222). . وبه قال عطاء، والنخعي، وقتادة، والثوري، وإسحاق، وأبو ثور انظر: المغني (3/ 15). . قال القاضي عياض: وهو قول كافة العلماء انظر: إكمال المعلم (3/ 256).
قال في الحاوي (3/ 44): (فهو مذهب الفقهاء كافة إلا الحسن البصري فإنه شذ عن الإجماع وقال: إنها ليست واجبة).
وقال في المغني (3/ 15) وجملة ذلك أن الخطبة شرط في الجمعة لا تصح بدونها كذلك قال عطاء , والنخعي , وقتادة , والثوري وإسحاق وأبوثور , وأصحاب الرأي , ولا نعلم فيه مخالفا إلا الحسن).
وقال العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ خطبة الجمعة شرط من شروط الصلاة (من الموقع الرسمي لفضيلته.
قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (الشرح الممتع:5/ 51) يشترط لصحة الجمعة أن يتقدمها خطبتان، وهذا هو الشرط الرابع، فإن لم يتقدمها خطبتان لم تصح.
ولو تأخرت الخطبتان بعد الصلاة لم تصح) ا. هـ.
أدلة القائلين بالوجوب:
لقد استدل أهل هذا القول بأدلة من الكتاب والسنة وادعى بعضهم الإجماع.
الدليل الأول: استدلوا من الكتاب العزيز بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} الجمعة9
قال ابن قدامه في المغني (3/ 5): (فأمر بالسعي ويقتضي الأمر بالوجوب , ولا يجب السعي إلا إلى الواجب , ونهى عن البيع لئلا يُشتغل به عنها , فلو لم تكن واجبة لما نهي الله عن البيع من أجلها) أ. هـ.
واختلف أهل العلم – رحمهم الله – ما المراد بذكر الله في الآية على قولين: فمنهم من قال: الخطبة, ومنهم من قال: الصلاة , ورجح ابن العربي: انها تشمل الجميع , وقال (أحكام القرآن4/ 218): (والدليل على وجوبها أنها تُحرم البيع , ولولا وجوبها ما حرمته لأن المستحب لا يحرم المباح).
الدليل الثاني:
قول الله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً} الجمعة:11.
وسبب نزول الآية ما جاء في البخاري (354) , ومسلم (863) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهماـ أن النبي – صلى الله عليه وسلم: "كان يخطب قائماً يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام فانتقل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً فنزلت الآية "
قال ابن العربي (أحكام القرآن 4/ 244): (قال كثير من علمائنا: إن هذا القول يوجب الخطبة،لأن الله تعالى ذمهم على تركها والواجب هو الذي يذم تاركه شرعاً حسبما بيناه في أصول الفقه) أ. هـ.
¥