وقال القرطبي في تفسيره (10/ 21): (والدليل على وجوبها قوله تعالي: (وَتَرَكُوكَ قَائِماً) وهذا ذم , والواجب هو الذي يذم تاركة شرعاً ثم إن النبي – صلى الله عليه وسلم ـ لم يصلها إلا بخطبة) أ.هـ.
.ومن أدلتهم:
ما جاء في حديث مالك بن الحويرث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ً: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري (631)
وقال النووي (المجموع 4/ 268) وقال القاضي عياض: وروي عن مالك: دليلنا قوله ـ صلى الله عليه سلم ـ: (صلوا كما رأيتموني أصلي وثبت صلاته – صلى الله عليه وسلم – بعد خطبتين , وقال بن قدامه في المغني (3/ 15): (ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – ما ترك الخطبة للجمعة في حال، وقد قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
ومن ذلك ماذكره الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في الشرح الممتع (5/ 51) أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: «إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة، والإمام يخطب فقد لغوت» أخرجه البخاري (934)؛ ومسلم (851) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.، وهذا يدل على وجوب الاستماع إليهما، ووجوب الاستماع إليهما يدل على وجوبهما.
ـ مواظبة النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عليهما مواظبة غير منقطعة، فلم يأتِ يوم من أيام الجمعة لم يخطب فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذا الدوام المستمر صيفاً وشتاءً، شدةً ورخاءً يدل على وجوبهما.
ـ أنه لو لم تجب لها خطبتان لكانت كغيرها من الصلوات، ولا يستفيد الناس من التجمع لها، ومن أهم أغراض التجمع لهذه الصلاة الموعظة وتذكير الناس).ا. هـ.
القول الثاني:
وهو القول بالسنية وبه قال الحسن البصري , وهو مروي عن الإمام مالك , وبه أيضاً قال بعض أصحابة , وقال به ابن حزام.
قال ابن حزم (3/ 263): (وليست الخطبة فرضاً، فلو صلاها إمام دون خطبه صلاها ركعتين جهراً ولابد) ا. هـ.
وأما ما جاء عن مالك في ذلك فقد أنكره الإمام القرطبي (الجامع لأحكام القرآن 10/ 14) فقال (ونقل عن مالك من لم يحقق أنها سنة) , وقال ابن العربي: (وحكى ابن وهب عن مالك أن شهودها سنة ثم قال: قلت له تأويلا ن أحدهما: أن مالكاً يطلق السنة على الفرض.
الثاني: أنه أراد سنة على صفتها لا يشاركه فيه سائر الصلوات حسب ما شرعه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وفعله المسلمون وقد روى ابن وهب عن مالك عزيمة الجمعة على كل من سمع النداء) ا. هـ من نيل الأوطار (2/ 280).
وممن قال بالسنية من أصحاب مالك ابن الماجشون قال ابن العربي (أحكام القران 4/ 224): (وقال ابن الماجشون أنها سنة والصحيح ما قدمناه ـ أي الوجوب ـ والله أعلم) أ. هـ.ونقله عنه كذلك القرطبي في تفسيره (10/ 21) , وقال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد (1/ 198): (وعن مالك رواية شاذة أنها سنة).
وقال الحسن: (هي مستحبة) ,ونقل عنه ابن حزم في المحلي: (3/ 264) قوله: (من لم يخطب يوم الجمعة صلى ركعتين على كل حال) أ. هـ.
وممن نقله عن الحسن الإمام النووي في المجموع (4/ 268) قال: (وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري أن يوم الجمعة تصح بلا خطبة، وبه قال داود وعبد الملك ـ بن حبيب ـ من أصحاب مالك) أ. هـ وابن قدامه في المغني (3/ 15) نقل عن الحسن البصري أنه قال: (تجزهم جميعهم خطب الإمام أو لم يخطب لأنها صلاة عيد فلم تشترط لها الخطبة كصلاة الأضحى) أ. هـ.
وقال الشيخ سعود الشريم ـ حفظه الله ـ: (الشامل في فقه الخطيب والخطبة:1/ 12) والذي يظهر لي - والله تعالى أعلم - أن للحسن البصري في هذه المسألة قولين:.
الأول منهما: هو ما ذكره أهل العلم سابقاً، وثانيهما: أنه يقول بوجوب الخطبة، لما رواه ابن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الأعلى عن يونس عن الحسن قال: الإمام إذا لم يخطب صلى أربعاً) مصنف ابن أبي شيبة (2/ 31) .. فيتضح من هذا أن للحسن روايتين، ولكن أيتهما المتأخرة؟ العلم عند الله تعالى) ا. هـ.ورجَّح الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ هذا القول في نيل الأوطار (2/ 331) فقال: (فالظاهر ما ذهب إليه الحسن البصري , وداود الظاهري , والجويني من أن الخطبة مندوبة فقط). اهـ.
وقد أجاب الشوكاني عن أدلة الجمهور بما يأتي:
¥