هذه هي طبعات الكتاب المشهورة التي عنيت بالكتاب عناية يطمئن إليها مع ما فيها من السقط وعدم وضوح المراد – أحياناً – لطول الفصل وعد وجود علامات ترقيم تهدي القارئ أثناء قراءته عدا الطبعة الأخيرة وهي التي سقنا الحديث من أجلها.
يقول محمود شاكر رحمه الله في مقدمة الجزء الأول من تفسير الطبري مبيناً الباعث له على القيام بتحقيقه بعد أن بين مكانة الكتاب وقيمته قال: ((بيد أني كنت أجد من المشقة في قراءته ما أجد. كان يستوقفني في القراءة كثرة الفصول في عبارته، وتباعد أطراف الجُمَل، فلا يسلم لي المعنى حتى أعيد قراءة الفقرة منه مرتين أو ثلاثاً. وكان سبب ذلك أننا ألفنا نهجاً من العبارة غير الذي انتهج أبو جعفر، ولكن تبين لي أيضاً أن قليلاً من الترقيم في الكتاب، خليق أن يجعل عبارته أبينَ، فلما فعلت ذلك في أنحاء متفرقة من نسختي، وعُدْتُ بَعْدُ إلى قراءتها، وجدتها قد ذهب عنها ما كنت أجد من المشقة ... فتمنيت يومئذ أن ينشر هذا الكتاب الجليل نشرة صحيحة محققة مرقمة، حتى تسهل قراءتها على طالب العلم، وحتى تجنبه كثيراً من الزلل في فهم مراد أبي جعفر)). (تفسير الطبري 1/ 11)
وهناك سبب آخر دعا إلى نشره وتحقيقه وهو ((أن ما طبع من تفسير أبي جعفر، كان فيه خطأ كثير وتصحيف وتحريف)). (تفسير الطبري 1/ 12)
وقد عقد محمود شاكر رحمه الله عزمه على نشر هذا الكتاب نشرة علمية بعد أن رأى الحاجة ماسةَ، ورغبة في التقرب إلى الله حيث قال ((فأضمرت في نفسي أن أنشر هذا الكتاب، حتى أؤدي بعض حق الله عليَّ، وأشكر به نعمة أنالها – أنا لها غير مستحق – من رب لا يؤدي عبد من عباده شكر نعمة ماضية من نعمه، إلا بنعمة منه حادثة توجب عليه أن يؤدي شكرها، هي إقداره على شكر النعمة التي سلفت، كما قال الشافعي رضي الله عنه)). (تفسير الطبري 1/ 12)
منهجه في التحقيق والنشر:
1 - تم التحقيق بالمشاركة مع شقيقه الأكبر العلامة المحدث أحمد محمد شاكر رحمه الله بحيث يقوم الشيخ أحمد شاكر بدراسة الأسانيد والحكم عليها من حيث الصناعة الحديثية، ويقوم محمود شاكر بالباقي: مقابلة النسخ، وتحقيق النص، وتخريج الأقوال والشواهد الشعرية، ووضع علامات الترقيم، وضبط النص وما يتعلق بذلك من شرح غريب ونحو ذلك.
2 - مراجعة ما في تفسير الطبري من الآثار على كتاب الدر المنثور للسيوطي وفتح القدير للشوكاني، لأنهما يكثران النقل عن الطبري.
3 - الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لم يقتصر على نقل الآثار، بل نقل بعض كلام أبي جعفر الطبري بنصه في مواضع متفرقة، وكذلك نقل أبو حيان في البحر المحيط، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن في مواضع قليلة من تفسيرهما، فقام بمقابلة المطبوع والمخطوط من تفسير الطبري على هذه الكتب. ولكن محمود شاكر رأى أن الاستمرار على هذا النهج يطيل الكتاب على غير جدوى فبدأ منذ الجزء الثاني يغفل ذكر المراجع إلا عند الاختلاف، أو التصحيح، أو غير ذلك مما يوجب بيان المراجع.
4 - قام بمراجعة كثير مما في التفسير من الآثار، على سائر الكتب التي هي مظنة لروايتها، وبخاصة تاريخ الطبري نفسه، ومن في طبقته من أصحاب الكتب التي تروي الآثار بالأسانيد. وقد استطاع المحقق أن يحرر أكثر هذه الآثار في التفسير تحريراً حسناً مقبولاً.
5 - ما تكلم فيه الطبري من مسائل اللغة والنحو، فقد راجعه على أصوله مثل (مجاز القرآن) لأبي عبيدة، و (معاني القرآن) للفراء وغيرهما ممن يذكر أقوال أصحاب المعاني من الكوفيين والبصريين.
6 - شواهد تفسير الطبري الشعرية من أبرز ما في التفسير، وهي تزيد على ألفي شاهد (2000) شعري، وقد قام المحقق رحمه الله بتتبع شواهده في دواوين العرب، ونسب ما لم يكن منسوبا، وشرحها شرحاً جيداً، وحقق ما يحتاج إلى تحقيق من قصائدها، ملتزماً في ذلك الاقتصار حسب الاستطاعة.
7 - ظهر للمحقق رحمه الله كما قال أثناء مراجعاته أن كثيراً ممن نقل عن الطبري، ربما أخطأ في فهم مراد الطبري، فاعترض عليه، لمّا استغلق عليه بعض عبارته. فقام بتقييد بعض ما بدا له خلال التعليق، ولكنه لم يستوعب ذلك مخافة الإطالة.
¥