فائدة في تفسير قوله تعالى {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
ـ[أحمد القصير]ــــــــ[26 Jun 2003, 03:04 م]ـ
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 115]
فهل قوله تعالى: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} من باب الصفات أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك:
1 - فذهبت طائفة إلى أن ذلك من الصفات، وأن المراد بالآية وجه الله الذي هو صفة من صفاته سبحانه. وممن قال بذلك:
ابن خزيمة، والبيهقي، وابن القيم، وعبد الرحمن السعدي، وابن عثيمين. (1)
قال ابن القيم: الصحيح في قوله تعالى: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أنه كقوله في سائر الآيات التي ذكر فيها الوجه، فإنه قد اطرد مجيئه في القرآن والسنة مضافاً إلى الرب تعالى، على طريقة واحدة، ومعنى واحد، فليس فيه معنيان مختلفان في جميع المواضع غير الموضع الذي ذكر في سورة البقرة، وهو قوله: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، وهذا لا يتعين حمله على القبلة والجهة، ولا يمتنع أن يراد به وجه الرب حقيقة، فحمله على غير القبلة كنظائره كلها أولى. أ. هـ (2)
2 - وذهبت طائفة إلى أن ذلك ليس من باب الصفات في شيء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((ليست هذه الآية من آيات الصفات ومن عدها في الصفات فقد غلط)). (3)
وقد اختلف هؤلاء في معناها على أقوال:
القول الأول: أن معناها فثم قبلة الله، قالوا: والوجه يأتي في اللغة بمعنى الجهة، يقال: وِجْهَة ووجه وَجِهَة. وممن روي عنه هذا القول:
ابن عباس (4)، ومجاهد (5)، وعكرمة (6)، والحسن البصري (7)، وقتادة (8)، ومقاتل بن حيان (9)، والشافعي (10).
واختاره: الواحدي، والزمخشري، وابن عطية، والرازي، وابن تيمية، وابن عثيمين، وجعل الآية محتملة له وللقول الأول. (11)
قال ابن تيمية: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي: قبلة الله، ووجهة الله، هكذا قال جمهور السلف.
وقال: ((الوجه)) هو الجهة في لغة العرب، يقال: قصدت هذا الوجه، وسافرت إلى هذا الوجه، أي: إلى هذه الجهة. وهذا كثير مشهور، فالوجه هو الجهة، كما في قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} (12) أي: متوليها، فقوله تعالى: {هُوَ مُوَلِّيهَا} كقوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} كلا الآيتين في اللفظ والمعنى متقاربان، وكلاهما في شأن القبلة، والوجه والجهة هو الذي ذكر في الآيتين: أنا نوليه، نستقبله. أ. هـ (13)
القول الثاني: أن قوله {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} المراد به الله عز وجل ليس غيره.
وهذا قول المعتزلة (14)، ونُسب للكلبي (15)، واختاره ابن قتيبة (16).
القول الثالث: أن معنى الآية فثم رضا الله وثوابه.
حكاه دون نسبة: الطبري، والبغوي، والقرطبي، واختاره:الجصاص وابن جزي الكلبي. (17)
والراجح - والله أعلم - أن قوله تعالى: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} هو من باب الصفات، وأن المراد بالآية وجه الله الذي هو صفة من صفاته سبحانه.
دليل ذلك:
1 - أن الله تعالى ذكر في القرآن القبلة باسم القبلة والوجهة، وذكر وجهه الكريم باسم الوجه المضاف إليه سبحانه، فتفسيره في هذه الآية بنظائره من الآيات هو الأولى، لأنه من تفسير القرآن بعضه ببعض وهو أولى التفاسير.
2 - أن هناك أحاديث تفيد أن المصلي إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه، وهي بمثابة التفسير لهذه الآية، منها:
– قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه)). (18)
– وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا؛ فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت)). (19)
– وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل إذا قام يصلي أقبل الله عليه بوجهه حتى ينقلب أو يحدث سوء)). (20)
فهذه الأحاديث مصرحة بأن وجه الله الذي هو صفته هو الذي يكون قبالة المصلي، لا القبلة. فهي بمثابة التفسير للآية، والله تعالى أعلم. (21)
===========================
¥