تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تحريم المراء في القرآن الكريم]

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[17 May 2003, 11:25 م]ـ

قال ابن عبدالبر في كتابه جامع بيان العلم وفضله: (باب: ما تكره فيه المناظرة والجدال والمراء: قال أبو عمر: الآثار كلها في هذا الباب المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم إنَّما وردت في النهي عن الجدال والمراء في القرآن.

وروى سعيد بن المسيب وأبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: {المراء في القرآن كفر} (1) ... والمعنى: أن يتمارى اثنان في آية، يجحدها أحدهما ويدفعها ويصير فيها إلى الشك، فذلك هو المراء الذي هو كفر.

وأمَّا التنازع في أحكام القرآن ومعانيه فقد تنازع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من ذلك، وهذا يبيّن لك أن المراء الذي هو الكفر هو الجحود والشك كما قال الله عزوجل: {وَلاَ يَزَالُ ا؟ لَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ} [الحج: 55].

والمراء والملاحاة غير جائز شيء منهما، وهما مذمومان بكل لسان، ونهى السلف - رضي الله عنهم - عن الجدال في الله جل ثناؤه وفي صفاته وأسمائه ... .

عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما ضلّ قوم بعد هدى إلاَّ لُقِّنُوا الجدل}، ثُمَّ قرأ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ+ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (2) [الزخرف: 58]) (3).

المراء والامتراء والمماراة: المحاجّة فيما فيه مرية.

والمرية: التردد في الأمر والشك فيه، قال تعالى: {وَلاَ يَزَالُ ا؟ لَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ} [الحج: 55]، وقال تعالى: {فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاَءِ} [هود: 109]، وقال سبحانه: {فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ} [السجدة: 23]، وقال جل وعلا: {أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ} [فصلت: 54].

ومن ذلك قوله تعالى: {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِرًا} [الكهف: 18] أي: لاتجادل وتحاجج.

وقوله سبحانه: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم: 53] أي: أفتجادلونه مجادلة الشاكين المتحيِّرين لا الكائنين على بصيرةٍ فيما تخاصمون فيه.

وقرئ: {أفَتَمْرُونَه} (4) وفُسِّرَت بالجحود، أي: أفتجحدونه؟) (5).

وقد اختلف العلماء في تأويل حديث: {المراء في القرآن كفر} على أقوال:

القول الأول: أن معنى المراء في القرآن: الشك فيه والجحود، وهذا ما عبّر عنه ابن عبدالبر بقوله: (والمعنى أن يتمارى اثنان في آية يجحدها أحدهما ويدفعها ويصير فيها إلى الشك، فذلك المراء الذي هو الكفر ... وهذا يبين لك أن المراء الذي هو الكفر هو الجحود والشك كما قال عز وجل: {وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ} [الحج: 55]) (6) ا هـ.

ويدخل في هذا الجدال المشكِّك؛ وذلك أنه إذا جادل في القرآن أدّاه إلى أن يرتاب في الآي المتشابهة منه، فيؤديه ذلك إلى الجحود، فسمّاه كفراً باسم ما يُخشى من عاقبته إلاَّ من عصمه الله (7).

القول الثاني: أن المراد المراءُ في قراءته دون تأويله ومعانيه، مثل أن يقول قائل: هذا قرآن أنزله الله تبارك وتعالى، ويقول الآخر: لم ينزله الله هكذا، فيكفر به من أنكره، وقد أنزل الله سبحانه كتابه على سبعة أحرف كلها شافٍ وكافٍ، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن إنكار القراءة التي يسمع بعضهم بعضاً يقرؤها، وتوعدهم بالكفر عليها لينتهوا عن المراء فيه والتكذيب به؛ إذ كان القرآن منزلاً على سبعة أحرف، وكلها قرآن منزل يجوز قراءته ويجب علينا الإيمان به (8).

ويؤيد هذا القول سبب ورود الحديث وهو ما رواه الإمام أحمد عن أبي جهيم الأنصاري أن رجلين اختلفا في آية من القرآن؛ قال هذا: تقليتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال هذا تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {القرآن يقرأ على سبعة أحرف، فلاتماروا في القرآن فإن مراءً في القرآن كفر} (9).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير