[رأي آخر في الإسرائيليات في كتب التفسير]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[23 Apr 2003, 05:55 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا الصباح (السبت 2/ 3/1424) كنت أود أن أُتحف هذا الملتقى الرائع بموضوع، فتذكرت كلامًا كنت علَّقته على موضوع الإسرائيليات أثناء شرحي لرسالة شيخ الإسلام في أصول التفسير ـ أسأل الله أن ييسر طباعتها ـ فرأيت أن أنقل لكم ما شرحت به كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى. ولما نظرت إليه وجدته طويلاً جدَّا، فأعتذر لكم سلفاً عن هذا الطول الذي قد ينسي آخرُهُ أولَه في مثل صفحات ملتقى أهل التفسير على الإنترنت.
وأفيدكم أني قد وجدت ما كتبه الأخ الفاضل أبو بيان زاده الله بيانًا، فأعجبني طرحه، إذ الموافقة بين ما سأطرحه وما طرحه متمثلة في شيء كثير، والحمد لله على مثل هذه المواطآت العلمية التي تريح الباحث حينما يجد أن غيره ـ بلا مواطأة واتفاق مسبق ـ قد توصل إلى ما توصل إليه هو.
كما أشكر الأخ الفاضل أحمد البريدي الذي طرح سؤالاً في سلسلته في هذا الملتقى (مشكل التفسير) حول أثر ابن عباس في النهي عن سؤال أهل الكتاب، وقد وعدته بالإجابة على هذا الأثر أثناء لقاء تمَّ بيننا، كما أنَّ في حديثي هذا إجابة أخرى عنه.
وهذا أوان الشروع في الحديث عن الإسرائيليات، وهو مجتزءٌ من حديثٍ قبله.
.......
أولاً: أن بعض أخبار بني إسرائيل منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً صحيحًا، ولا ريب في قبول هذه الأخبار، حتى لو كانت فيما لا يقوم عليه علم أو عمل، كاسم صاحب موسى أنه الخَضِرُ.
ثانياً: أنَّ أخبار بني إسرائيل على ثلاثة أحوال:
- أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.
- والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه. والضابط في القبول والردِّ في هذا هو الشرع، فما كان موافقًا قُبِلَ، وما كان مخالفًا لم يُقبل.
ويدل لذلك أمثلة، منها ما رواه الطبري (ت: 310) عن سعيد بن المسيب، قال: قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود: أين جهنم؟
فقال: البحر.
فقال: ما أراه إلا صادقًا، (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)، (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) مخففة «[تفسير الطبري، ط: الحلبي (27: 18)]. فصدَّقه أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه؛ لوجود ما يشهد له من القرآن.
وما رواه البخاري (ت: 256)، قال: وقال أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار، فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب. صحيح البخاري ج: 6 ص: 2679
وقد يقع الردُّ من بعض الناس لبعض الإسرائيليات بدعوى مخالفة الشرع، ولا يكون ذلك صحيحًا في الحقيقة؛ لأنَّ ما ينسبه إلى الشرع قد لا يكون صحيحًا، بل هو رأي عقلي محضٌ وقع فيه شبه عنده أنه من الشرع، ويظهر ذلك جليًا فيما يتعلق بعصمة الأنبياء، إذ معرفة حدود هذه العصمة قد دخله التخريج العقلي، والتأويل المنحرف بدعوى تنْزيه الأنبياء، فظهر بذلك مخالفة ظاهر القرآن.
- والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه.
ويلاحظ في هذا القسم أنه تجوز حكايته، وعلى هذا عمل السلف في التفسير وغيره، ولم يقع النكير على هذا بينهم إلا بسبب الإكثار من الرجوع إليهم، أو بسبب تصديقهم فيما يقولون. كما يلاحظ أنَّ غالب هذا القسم مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.
وهذه الأخبار قد تكون منقولة عن الصحابة، وما كان كذلك فالنفس إليه أسكن، وقد تكون منقولة عن التابعين، وهذا النقل أقل في القبول من المنقول عن الصحابي لاعتبارات، منها:
1 ـ أنَّ المنقول عن الصحابة أقل من المنقول عن التابعين.
2 ـ احتمال أن يكون رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عمن أخذها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
3 ـ أن جزم الصحابي بما يقوله لا يتصور معه أنه نقله عن بني إسرائيل.
ويلاحظ هنا أنَّ ضابط العقل أو الغرابة ليس مما يُتفقُ عليه.
¥