تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الخلاف بين المفسرين- مظاهره وأسبابه]

ـ[الخطيب]ــــــــ[27 Jun 2003, 05:25 م]ـ

[الخلاف بين المفسرين- مظاهره وأسبابه]

أ. د/ أحمد سعد الخطيب.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فإن الذى يقرأ كتب التفسير، خاصة الكتب التى عنيت بنقل أقوال الصحابة والتابعين، وهى التى نسميها كتب التفسير بالمأثور كجامع البيان للطبرى وغيره، الذى يقرأ فى هذه الكتب يأخذه العجب حين يقف على هذا الكم الهائل من الأقوال حول تفسير الآيات القرآنية، ولابد من أن تحيك بصدره هذه الأسئلة:

- لماذا كل هذه الآراء المتعددة؟

- لماذا لم يجمعوا على رأى واحد فى التفسير؟

- وهل هذه الأقوال متعارضة أم يمكن الجمع بينها؟

- وأهم سؤال فى ذلك هو: ما السبب فى هذا الاختلاف؟

ولكن قبل الإجابة عن هذه الأسئلة يطيب لى أن أذكر أنواع الخلاف لنقف على ماهية ما يقع من خلاف بين المفسرين على اختلاف أسبابه، فأقول:

الاختلاف ينقسم إلى قسمين:-

أحدهما: اختلاف تضاد وتناقض. وهو المعارضة من كل وجه بحيث لا يمكن الالتقاء مطلقاً.

وقد جاء تعريفه فى الإتقان بأنه ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر [1].

ومثل هذا النوع لا وجود له فى القرآن الكريم مطلقاً، لا فى القراءات و لا فى غيرها، إلا ما كان من الناسخ والمنسوخ والقارئ بصير بأن مثل هذا لا يسمى اختلافا أصلا بعد رفع السابق من الحكمين و إحلال اللاحق محله.

ثانيهما - اختلاف تلازم. ومن أمثلته فيما يتعلق بالقرآن الكريم الاختلاف فى وجوه القراءات.

قال السيوطى فى الإتقان: اختلاف التلازم هو ما يوافق الجانبين كاختلاف وجوه القراءة …. [2].

إذن فالاختلاف فى القراءات ليس من قبيل الاختلاف على جهة التعارض و التضاد و إنما هو اختلاف تنوع له العديد من الفوائد سنذكرها فى محلها. أو أنه اختلاف فيما يبدو للناظر بعين غير مبصرة. وهو سريعاً ما يزول عند أدنى تدبر وهو ما يسمى بموهم الاختلاف.

ومثل ذلك لا يعد فى الحقيقة خلافاً يعتد به، بدليل أن القراء حين اختار كل منهم ما يقرأ به " لم يقرأوا بما قرأوا به على إنكار غيره، بل على إجازته، والإقرار بصحته، وإنما وقع الخلاف بينهم فى الاختيارات وليس ذلك فى الحقيقة باختلاف". [3]

ولا يرد على ذلك إنكار بعض النحويين ومن تبعهم من المفسرين لبعض القراءات الثابتة، أو ترجيح بعضها على البعض،فإن منشأ ذلك هو عدم يقينهم بأن هذه القراءات توقيفية، وليست اجتهادية إضافة إلى عدم الإلمام الكامل بكل وجوه العربية.

وكل ما أثاروه فى هذا المقام مردود عليه بما يفحم، لكن ما يثير العجب أن يأتى فى زماننا هذا من لايعرف من النحو إلا قشوراً فيدعى وجود اللحن فى القرآن فى قراءاته المختلفة، فاتحاً بذلك صفحة طويت من قديم حين أجاب العلماء المخلصون. عما أثير فى هذا المقام.

ولله در الإمام الغزالى حين قال: لو سكت من لا يعرف لقل الاختلاف.

ثم أعود إلى الإجابة عن الأسئلة المطروحة سلفا فأقول: لعل هذا العجب الحاصل بسبب الاختلاف الهائل بين المفسرين فى تفسير بعض الآيات القرآنية أن يزول حين نطلع على أسباب الخلاف بين المفسرين.

ولقد ناقش ابن تيمية - رحمه الله - فى مقدمته فى أصول التفسير، مسألة الخلاف بين المفسرين، مفرقاً فى ذلك بين تفسير السلف " المأثور " وبين تفسير غيرهم.

فأما بالنسبة لتفسير السلف، فقد بين ابن تيمية أن غالب ما ينقل عنهم فيه راجع إلى اختلاف التنوع، وليس اختلاف التضاد، وذلك كأن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى فى المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد فى المسمى.

وذلك مثل اختلافهم حول تفسير (الصراط المستقيم) [4]، فبعضهم قال: هو اتباع القرآن، وبعضهم قال: هو الإسلام، فهذان القولان الاختلاف فيهما اختلاف تنوع؛ لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن.

ويندرج تحت خلاف التنوع أيضاً ذكر العام ببعض أفراده، أو أنواعه على سبيل التمثيل، ومثال ذلك خلافهم حول المراد بقوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) [5].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير