[نشأة التفسير (التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم)]
ـ[مرهف]ــــــــ[14 May 2003, 04:43 م]ـ
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
لا مشاحة في أن علم التفسير أول العلوم القرآنية نشأة، فقد صاحبت نشأته نزول القرآن الكريم وواكبت الوحي، فكان الصحب رضوان الله عليهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ما غمض عليهم من المنزل،وكان صلى الله عليه وسلم يبين لهم ما يحتاجون إليه من معانيه وأحكامه.
وبالنظر في مشتملات القرآن الكريم نجده قد أوجز في موضع، وأطنب في موضع آخر، وفصل في مكان ما أجمله في مكان آخر، وقيد في موضع ما أطلقه في موضع آخر، وخصص في موضع ما جاء به على العموم في موضع آخر، وهذا في ذاته بيان.
ولكن بعد ذلك دعت الحاجة إلى فهم الكتاب العزيز؛ ذلك لأن فيه إشارات لم يتح لكثير من العرب أن يفهموها، وكذلك فإن سلوك المسلم الفردي والاجتماعي متعلق على فهم القرآن وربطه في جميع نواحي الحياة، ولذلك أخذ التفسير مكانة مهمة في حياة المسلم إلى يومنا هذا؛ ومما لا ريب فيه أن التفسير مرّ بأطوار ومراحل، حتى اتخذ الصورة التي نجده عليها الآن.
وسأتكلم باخنصار هنا عن التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
رغم اشتهار العرب في عصر نزول القرآن بالفصاحة والبلاغة، وامتلاكها لناصية البيان، واعتبارها سموَّ الفصاحة ونظم الشعر؛ حتى قامت أسواق شعرية تعرض فيها قصائد الفحول المشتملة على التحديات الشعرية، وألوان الخطابة والتفنن بصياغتها؛ للتدليل على امتلاكهم لبحر اللغة العربية وأسرارها، والإبداع في أساليبها؛ حتى تحداهم الله تعالى في كتابه فقال:
(وإن كنتم في ريب ممّا نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين) [البقرة/ 24]، ثم بين لهم عجزهم فقال: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) [الإسراء /88]؛ إلا أنهم لم يعلموا من القرآن إلا ظواهره،ولم يدركوا من بيانه إلا عجزهم عنه، ذلك لأن كتاب الله قد جمع في اللفظة الوجيزة معاني دقيقة وكثيرة،وإشارات علمية،وسنن كونية،ومغيبات تاريخية وعقدية مما حاجهم إلى الشرح والبيان، والاستفسار عن كثير من معاني القرآن بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله جعل رسوله صلى الله عليه وسلم مبيناً لكتابه، فقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) [النحل/44].
فكان الرسول صلى الله عليه وسلم المبيّن الأول للقرآن، والمرجع الأساس لفهم القرآن.
ثم إن البيان الحاصل منه صلى الله عليه وسلم واقع على صور متعددة:
- فقد يكون بياناً لمجمل، كبيانه صلى الله عليه وسلم للصلاة والزكاة ومقدارها، لما أجمله الله تعالى في قوله: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) [البقرة/42].
- وقد يكون توضيحاً لما أشكل، كتفسيره صلى الله عليه وسلم للخيط الأبيض والخيط الأسود في قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) [البقرة/186]، بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا، بل هو سواد الليل وبياض النهار).
- وقد يكون تخصيصاً للعام، كتخصيصه صلى الله عليه وسلم للظلم في قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) [الأنعام/83]، بأنه الشرك بقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس كما تقولون، أولم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) [لقمان/12]).
- وقد يكون تقييداً لمطلق،كتقييد اليد في قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) [المائدة /40] باليمين.
ثم وقع اختلاف بين العلماء في القدر الذي بين الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن:
ـ فمنهم من ذهب إلى أنه صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه كلّ معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه وهو رأي ابن تيمية في مقدمة أصول التفسير صـ 35.
ـ ومنهم من ذهب إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يبين لأصحابه من معاني القرآن إلا القليل وهو رأي الخويبي،نقله السيوطي في الإتقان 2/ 174
ـ ومنهم من ذهب إلى أنه صلى الله عليه وسلم بين الكثير من معاني القرآن لأصحابه، ولم يبين كل المعاني؛لأن من القرآن ما استأثر الله بعلمه،ومنه ما يعلمه العلماء،ومنه ما يعلمه العرب من لغاتهم،ومنه ما لا يعذر أحد في جهالته وهذا رأي الذهبي في (التفسير والمفسرون 1/ 53).
والمختار عندي هذا الأخير لما مرّ؛ ولأنه من البدهي أن لا يفسر الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ما يرجع فهمه إلى معرفتهم، وهم العرب؛ لأن القرآن نزل بلغتهم، ولم يفسر لهم ما تتبادر الأذهان إلى معرفته، ثم إن الصحابة رضي الله عنهم وقع بينهم الاختلاف في تأويل آيات من كتاب الله تعالى، فلو كان عندهم نص مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ما وقع هذا الاختلاف، أو لارتفع بعد الوقوف على النص.
¥