[فائدة: وجه إضافة الجناحين في قوله تعالى (ولا طائر يطير بجناحيه)]
ـ[ناصر الصائغ]ــــــــ[23 Jun 2003, 11:59 م]ـ
قال الطبري إمام المفسرين رحمه الله:
" فإن قال قائل: فما وجه قوله: "ولا طائر يطير بجناحيه"؟ وهل يطير الطائر إلا بجناحيه؟ فما في الخبر عن طيرانه بالجناحين من الفائدة؟
قيل: قد قدمنا القول فيما مضى أن الله تعالى ذكره أنزل هذا الكتاب بلسان قوم، وبلغاتهم وما يتعارفونه بينهم ويستعملونه في منطقهم خاطبهم. فإذ كان من كلامهم إذا أرادوا المبالغة في الكلام أن يقولوا: (كلمت فلاناً بفمي)، و (مشيت إليه برجلي) و (ضربته بيدي)، خاطبهم تعالى بنظير ما يتعارفونه في كلامهم، ويستعملونه في خطابهم، ومن ذلك قوله تعالى ذكره: "إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة" [ص:23].
وفي فتح القدير للشوكاني قال رحمه الله (و "بجناحيه" لدفع الإبهام، لأن العرب تستعمل الطيران لغير الطير كقولهم: طرفي حاجتي: أي أسرع، وقيل إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران، ومع عدم الاعتدال يميل، فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين، وقيل ذكر الجناحين للتأكيد كضرب بيده وأبصر بعينيه ونحو ذلك. والجناح: أحد ناحيتي الطير الذي يتمكن به من الطيران في الهواء، وأصله الميل إلى ناحية من النواحي.)
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[24 Jun 2003, 04:21 م]ـ
كتب الأستاذ الدكتور فهد بن عبدالرحمن الرومي في موضوع هذه الجملة وأمثالها مما في القرآن كتابًا بعنوان (البدهيات في القرآن الكريم / دراسة نظرية).
ثم كتب كتابًا آخر بعنوان (البدهيات في الحزب الأول من القرآن الكريم).
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[25 Jun 2003, 07:32 ص]ـ
مجمل ما قاله المفسرون فيه أن الغرض من ذلك:
1 - التأكيد، لأنه لا طائر يطير إلا بجناحيه، كما يقال نظرت بعيني، وأخذت بيدي.
2 - لرفع المجاز الذي كان يحتمله قوله: (ولا طائر) لو اقتصر عليه، فقد استعير الطائر للعمل في قوله: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) وقولهم: طار لفلان كذا في القسمة أي سهمه
، وطائر السعد والنحس، وقطعاً لمجاز السرعة، لقولهم: طر في حاجتي أي أسرع.
قال الشاعر:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافاتٍ ووحدانا
وخالفهم الطاهر بن عاشور فقال:" قصد به الشمول والإحاطة، لأنه وصف آيل إلى معنى التوكيد، لأنّ مفاد (يطير بجناحيه) أنَّه طائر، كأنَّه قيل: ولا طائر ولا طائر. والتوكيد هنا يؤكّد معنى الشمول الذي دلّت عليه (من) الزائدة في سياق النفي، فحصل من هذين الوصفين تقرير معنى الشمول الحاصل من نفي اسمي الجنسين. ونكتة التوكيد أنّ الخبر لغرابته عندهم وكونه مظنّة إنكارهم أنَّه حقيق بأن يؤكّد. ووقع في «المفتاح» في بحث إتباع المسند إليه بالبيان أنّ هذين الوصفين في هذه الآية للدلالة على أنّ القصد من اللفظين الجنس لا بعض الأفراد وهو غير ما في «الكشاف»، وكيف يتوهَّم أنّ المقصود بعض الأفراد ووجود (مِن) في النفي نصّ على نفي الجنس دون الوحدة. وبهذا تعلم أن ليس وصف (يطير بجناحيه) وارداً لرفع احتمال المجاز في (طائر) كما جنح إليه كثير من المفسِّرين وإن كان رفع احتمال المجاز من جملة نكت التوكيد اللفظي إلاّ أنّه غير مطّرد، ولأنّ اعتبار تأكيد العموم أولى، بخلاف نحو قولهم: نظرته بعيني وسمعته بأذني ".
3 - فيه تنبيه على تصور هيئة الطائر على حالة الطيران واستحضار مشاهدة هذا الفعل الغريب وجاء الوصف بلفظ (يطير) لأنه مشعر بالديمومة والغلبة لأن أكثر أحوال الطائر كونه يطير وقل ما يسكن حتى إن المحبوس منها يكثر ولوعه بالطيران في المكان الذي حبس فيه من قفص وغيره. وقال الآلوسي:" واختار بعض المتأخرين أن وجه الوصف تصوير تلك الهيئة الغريبة الدالة على كمال القوة والقدرة. وأورد على الوجهين السابقين أنه لو قيل: ولا طائر في السماء لكان أخصر وفي إفادة ذينك الأمرين أظهر مع ما فيه من رعاية المناسبة بين القرينتين يذكر جهة العلو في إحداهما وجهة السفل في الأخرى، ورد ـ كما قال الشهاب ـ بأنه لو قيل: في السماء يطير بجناحيه لم يشمل أكثر الطيور لعدم استقرارها في السماء، ثم إن قصد التصوير لا ينافي قطع المجاز إذ لا مانع من إرادتهما جميعاً كما لا يخفى ".
¥