تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[حتى نجد للقرآن حلاوة كما وجدها الجيل الأول-رضي الله عنهم-]

ـ[الاثر]ــــــــ[18 Jun 2003, 03:05 م]ـ

هذه كلمات للاستاذ سيد قطب رحمه الله- تتضمن جوابا لمن اراد ان يعرف الطريقة المثلى لتدبر القرآن والاستفادة من علومه وكيفية ايجاد حلاوته عند التلاوة, واعلم اخي الكريم ان من تمسك بهذه الطريقة فقد انفتح له الباب الاعظم في علم التفسير وقويت معرفته وازدادت بصيرته واستغنى بهذه الطريقة عن كثرة التكلفات, وعن البحوث الخارجية, وخصوصا اذا كان قد اخذ من علوم العربية جانبا قويا ,وكان له المام واهتمام بسيرة النبي صلى الله عيه وسلم وأحوله مع اولياءئه واعدائه, فإن ذلك أكبر عون على هذا المطلب.

ومتى علم العبد أن القرآن فيه تبيان كل شئ, انه كفيل بجميع المصالح ,مبين لها, حاث عليها ,زاجر عن المضار كلها, وجعل هذه القاعدة نصب عينيه ,ونزلها على كل واقع وحادث سابق أو لاحق ,ظهر له عظم موقعها وكثرة فوائدها وثمراتها والله اعلم.

قال سيد قطب -رحمه الله-: (إن النصوص القرآنية لاتدرك حق ادراكها بالتعامل مع مدلولاتها البيانية واللغوية فحسب إنما تدرك وقبل كل شئ بالحياة في جوها التاريخي الحركي وفي واقعيتها الايجابية وتعاملها مع الواقع الحي وهي ان كانت أبعد مدى وابقى أثرا من الواقع التاريخي الذي جاءت تواحهه لاتنكشف عن هذا المدى البعيد الا في ضؤ ذلك الواقع التاريخي ثم يبقى لها إيحاؤها الائم وفاعليتها المستمرة ولكن بالنسبة للذين يتحركون بهذا الدين وحدهم ويزاولون منه شبه ماكان يزاوله الذين نزلت هذه النصوص عليهم أول مرة ويواجهون ماكان هؤلاء يواجهون) 3\ 1453 الظلال

وقال سيد: (ولكن الناس بعدوا عن القرآن، وعن أسلوبه الخاص، وعن الحياة في ظلاله، عن ملابسة الأحداث والمقوّمات التي يشابه جوُّها الجوُّ الذي تنزّل فيه القرآن .. وملابسةُ هذه الأحداث والمقوّمات، وتَنسُّمُ جوها الواقعي، هو وحده الذي يجعل هذا القرآن مُدرَكاً وموحياً كذلك. فالقرآن لا يدركه حق إدراكه من يعيش خالي البال من مكان الجهد والجهاد لاستئناف حياة إسلامية حقيقة، ومن معاناة هذا الأمر العسير وجرائره وتضحياته وآلامه، ومعاناة المشاعر المختلفة التي تصاحب تلك المكابدة في عالم الواقع، في مواجهة الجاهلية في أي زمان!

إن المسألة-في إدراك مدلولات هذا القرآن وإيحاءاته- ليست هي فهم ألفاظه وعباراته، ليست هي "تفسير" القرآن- كما اعتدنا أن نقول! المسألة ليست هذه. إنما هي استعداد النفس برصيد من المشاعر والمدركات والتجارب، تشابه المشاعر والمدركات والتجارب التي صاحبت نزوله، وصاحبت حياة الجماعة المسلمة وهي تتلقاه في خضم المعترك .. معترك الجهاد .. جهاد النفس وجهاد الناس. جهاد الشهوات وجهاد الأعداء. والبذل والتضحية. والخوف والرجاء. والضعف والقوة. والعثرة والنهوض .. جو مكة، والدعوة الناشئة، والقلة والضعف، والغربة بين الناس .. جو الشَّعب والحصار، والجوع والخوف، والاضطهاد والمطاردة، والانقطاع إلا عن الله .. ثم جو المدينة: جو النشأة الأولى للمجتمع المسلم، بين الكيد والنفاق، والتنظيم والكفاح .. جو "بدر" و "أحد" و "الخندق" و "الحديبية". وجو "الفتح"، و "حنين" و "تبوك". وجو نشأة الأمة المسلمة ونشأة نظامها الاجتماعي والاحتكاك الحي بين المشاعر والمصالح والمبادئ في ثنايا النشأة وفي خلال التنظيم.

في هذا الجو الذي تنزلت فيه آيات القرآن حية نابضة واقعية .. كان للكلمات وللعبارات دلالاتها وإيحاءاتها. وفي مثل هذا الجو الذي يصاحب محاولة استئناف الحياة الإسلامية من جديد يفتح القرآن كنوزه للقلوب، ويمنح أسراره، ويشيع عطره، ويكون فيه هدى ونور ..

لقد كانوا يومئذ يدركون حقيقة قول الله لهم:

"يَمنُّون عليك أن أسلموا. قل: لا تمنّوا عليّ إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين" ..

(الحجرات: 17)

وحقيقة قول الله لهم:

"يا أيها الذين آمنوا استجيبوا الله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم. واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، وأنه إليه تحشرون. واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذي ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديد العقاب. واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض، تخافون أن يتخطفكم الناس. فآواكم وأيدكم بنصره، ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون".

(الأنفال: 24 - 26)

وحقيقة قول الله لهم:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير