[مقدمة في آيات الأحكام]
ـ[أبو خالد، وليد العُمري]ــــــــ[06 May 2003, 12:36 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة ولسلام على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فشكر الله تعالى لكل من كانت له يدٌ بيضاء في قيام هذا الملتقى، ونسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا.
وقد أحببت أن أبدأ المشاركة في هذا الملتقى المبارك؛ استجابة لرغبة شيخنا، وأستاذنا الدكتور مساعد بن سليمان الطيار - حفظه الله تعالى- بإطلالة على آيات الأحكام، والتعريف بأشهر كتبها، ومناهج المصنفين في ذلك.
فأولاً: نعرج على معنى آيات الأحكام.
آيات الأحكام: هي الآيات التي تُعنى ببيان الأحكام الشرعية والدلالة عليها - سواء كانت الأحكام اعتقادية، أو عملية فرعية، أو سلوكية وأخلاقية (1) - إلاّ أن العلماء تعارفوا على إطلاق أحكام القُرْآن؛ على أحكام القرآن العملية، الفرعية، المعروفة بالفقهية.
والمراد بآيات الأحكام - عند الإطلاق -:"هي الآيات التي تُبيّن الأحكام الفقهية وتدل عليها نصاً، أو استنباطاً " (2).
وتفاسير آيات الأحكام، أو التَفْسِيْر الفقهي: " هو التَفْسِيْر الذي يُعنى ببيان الأحكام الفقهية، والتنبيه عليها، سواء بالاقتصار عليها، أو العناية الخاصة بها " (3).
ثانياً: عدد آيات الأحكام
اختلف أهل العلم - رحمهم الله - في كون آيات القُرْآن الدالة على الأحكام الفقهية محدودة، محصورة أم لا؟ على قولين:
القول الأول: أن آيات الأحكام محدودة، محصورة بعدد معين (4) ثم اختلف هؤلاء في عددها:
- فقيل هي خمسمائة آية.
- وقيل: بل مائتا آية فقط.
- وقيل: هي مائة وخمسون آية فقط؛ "ولعل مرادهم المصرّح به؛ فإن آيات القصص، والأمثال وغيرها يُستنبط منها كثير من الأحكام" (5).
القول الثاني: أن آيات الأحكام غير محدودة العدد، فكل آية في القُرْآن قد يُستنبط منها حكمٌ معينٌ (6)، وَمَرَدُ ذلك إلى ما يفتحه الله على العَالِمِ من معاني القُرْآن ودلالاته، وما يتميز به العالم من صفاء الروح، وقوة الاستنباط، وجودة الذهن وسيلانه (7).
قال نجم الدِّيْن الطُوفي: "والصحيح أن هذا التقدير غيرُ معتبر، وأن مقدار أدلة الأحكام في ذلك غير منحصر؛ فإن أحكام الشرع كما تُستنبط من الأوامر، والنواهي؛ كذلك تُستنبط من الأقاصيص، والمواعظ، ونحوها، فقلَّ آية في القُرْآن الكريم، إلاّ ويُستنبط منها شيء من الأحكام، وإذا أردتَ تحقيق هذا؛ فانظر إلى كتاب أدلة الأحكام (8) للشيخ عِز الدِّيْن بن عبد السلام، وكأن هؤلاء- الذين حصروها في خمس مائة آية - إنما نظروا إلى ما قُصد منه بيان الحكم دون ما اسْتُفِيد منه، ولم يُقصد به بيانها " (9).
وقال القرافي:"فلا تكاد تجد آية إلاّ وفيها حكم، وحصرها في خمسمائة آية بعيد" (10).
وهذا هو الرَّاجح - والله أعلم- لأن أحكام القُرْآن في كتاب الله على قسمين (11):
- أولهما: ما صُرَّح به في الأحكام، وهو كثير كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْصِّيَامُ} إلى قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الْشَهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة/183] وعامة أحكام القُرْآن العظيم من هذا النوع، ومثال ذلك: غالب أحكام سورة البقرة، والنساء، والمائدة.
- وثانيهما: ما يؤخذ بطريق الاستنباط، والتأمل، وهو على قسمين أيضاً:
· أحدهما: ما يُسْتَنْبَطُ من الآية مباشرة، بدون ضَمِّ آية أخرى لها؛ وذلك نحو استنباط تحريم الاستمناء من قوله تعالى: {وَالَّذِيْنَ هُم لفُرُوجِهِم حافِظون إلاّ على أزواجِهِم أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإنَهُمْ غَيْرُ مَلُوْمِيْنَ فَمَنْ أبْتَغَي وَرَاءَ ذَ لِكَ فَاؤلَئِكَ هُمُ الْعَادُوْنَ} [المؤمنون /5 - 7]، وكاستنباط صحة صوم من أصبح جُنباً، من قوله تعالى: {فالآن بَاشِرُوْهُنَّ وَابْتَغُوْا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوْا وَاشْرَبُوْا حَتَى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187].
¥