تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الصلة بين تفسير الواحدي البسيط وتفسير شيخه الثعلبي (الكشف والبيان)]

ـ[محمد بن عبدالعزيز الخضيري]ــــــــ[13 Jun 2003, 11:46 م]ـ

استفاد الواحدي من هذا التفسير حقاً بل إنه لخصه في تفسيره، واعتمد عليه في نقل آثار التفسير، وإذا قال: "قال المفسرون" فإنه في الغالب يعنيه، وفي الوقت ذاته أعرض عن تطويلات الثعلبي في سرد الأخبار والقصص والإسرائليات وجمع الأحاديث ذات الموضوع الواحد، كما استغنى عن نقل كثير من أسانيده.

وقد أثنى الواحدي على هذا التفسير وعلى صاحبه ثناءً عاطراً، وقرأه عليه)، وأشهر نسخ الكشف هي التي قرأها الواحدي، ومع ضخامة الاستفادة والنقل إلا أن الواحدي قلما يشير إلى نقله منه، إلا بتلك الطريقة التي قدمتها،وهي قوله: قال المفسرون.

مثال ذلك قوله: "قال المفسرون: ومعنى (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ) (البقرة: 164): تَقْليبُها قَبُولاً ودَبُورًا وشمالا وجنوبا، كما بَيَّنَّا، وتصريفها مرةً بالرحمة ومرةً بالعذاب، وتصريفها مرة حارةً ومرةً باردةً، ومرة لينةً ومرةً عاصفة ". فهذا يراد به الثعلبي.

وقد أفاد الواحدي من تفسير شيخه في نقل مرويات التفسير والأحكام الفقهية، والأخبار والإسرائيليات، كما أفاد منه في جانب اللغة والنحو.

ومن أمثلة ذلك في جانب مرويات التفسير:

ما ذكره الواحدي عند تفسير قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ) الآية. قال: قال ابن عباس: الوَيْل شِدّة العَذَاب.

وكذلك ما ذكره عند تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (البقرة:170) قال الواحدي:قال الضحاك، عن ابن عباس: نزلت في كفار قريش.

فهاتان المرويتان من تفسير الثعلبي دون عزو إليه.

ومن أمثلة ذلك في جانب الأحكام الفقهية:

قول الواحدي في تفسير آيات الصيام:" والمرض الذي يبيح الإفطار هو كل مرض كان الأغلبُ من أمر صاحبه بالصوم الزيادةَ في علته زيادةً لا يحتمله، والأصل فيه: أنه إذا أجهده الصوم أفطر.

وحدُّ السَّفَرِ الذي يبيح الإفطار: ستة عشر فرسخا فصاعداً. والإفطار رخصة من الله للمسافر، فمَنْ أَفْطَرَ فبرخصة الله أخذ، ومن صام ففرضه أدّى، على هذا عامة الفقهاء ".

فهذا النص منقول من تفسير الثعلبي دون عزو إليه.

ومثال آخر في جانب النحو واللغة:

ماذكره عند قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (البقرة: 234) قال الواحدي:"?وعشرًا? بلفظ التأنيث، وأراد الأيام، وإنما كان كذلك تغليب الليالي على الأيام إذا اجتمعن في التاريخ وغيره، وذلك أن ابتداء الشهر يكون بالليل، فلما كانت الليالي الأوائل؛ غلبت لأن الأوائل أقوى من الثواني ".

فهذا منقول من تفسير الثعلبي دون عزو.

ولم يكن الواحدي ينقل من تفسير شيخه بغير بصيرة بل كان ينقد بعض آراء الثعلبي، ولايكاد يصرح باسمه).

وعلى كل فتفسير الثعلبي كالعمود الفقري وعمود الخيمة بالنسبة لتفسير البسيط.

ويمكن أن أسجل هنا مقارنة بين كشف البيان للثعلبي والبسيط للواحدي في النقاط الآتية:

1 - يعتبر تفسير الثعلبي من تفاسير الرواية المسندة، حيث يروى كثيراً من الأحاديث والآثار والأخبار والأشعار بسنده، بينما لانجد هذا في البسيط إلا قليلاً. وغالب مافيه من المرويات مأخوذ من تفسير شيخه.

2 - بسط الواحدي البحث في مجال اللغة والقراءات تدقيقاً وتحقيقاً ومناقشة وتوجيهاً، بينما نجد هذين الجانبين في تفسير الثعلبي على نحو مختصر، وكأن كتاب الواحدي استدراك على كتاب شيخه في هذين الجانبين.

3 - أكثر الثعلبي في كتابه من الإسرائليات والأحاديث الضعيفة والموضوعة، وقد تقدم أنه ذكر الحديث الموضوع في فضائل السور، وهذا مما أخذ عليه، قال ابن الجوزي عن تفسير الكشف والبيان: "ليس فيه مايعاب به، إلا ماضمنه من الأحاديث الواهية التي هي في الضعف متناهية، خصوصاً أوائل السور".

ويقول شيخ الإسلام –رحمه الله-: لقد أجمع أهل العلم بالحديث أنه روى طائفة من الأحاديث الموضوعة، كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة، وأمثال ذلك، ولهذا يقال: هو كحاطب ليل").

ويقول أيضاً "والثعلبي هو في نفسه كان فيه خير و دين، وكان حاطب ليل، ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع".

ويقول في موضع آخر: الثعلبي والواحدي وأمثالهما، هؤلاء من عادتهم يروون مارواه غيرهم، وكثير من ذلك لا يعرفون: هل هو صحيح أم ضعيف؟ ويروون من الأحاديث الإسرائيليات ما يعلم غيرهم أنه باطل في نفس الأمر، لأن وظيفتهم النقل لما نُقل، أو حكاية أقوال الناس، وإن كان كثير من هذا وهذا باطلاً، وربما تكلموا على صحة بعض المنقولات وضعفها، ولكن لا يطردون هذا ولا يلتزمون".

بينما نجد أن الواحدي لقلة الرواية في تفسيره هذا نسبة إلى تفسير شيخه قد تجاوز كثيراً من المرويات السقيمة والإسرائليات، ولم يعرج عليها، وإن كان لم يسلم منها، ومما يحمد له أنه لم يذكر حديث فضائل السور الموضوع في البسيط، لكنه ذكره في الوسيط.

4 - بين الثعلبي –رحمه الله- في مقدمة تفسيره أسانيده إلى أئمة التفسير، الذين شهروا بالتفسير كابن عباس وابن مسعود ومجاهد.

بينما لم يذكر الواحدي هذه الأسانيد في مقدمة كتابه وإنما ذكر بعضاً منها مفرقاً في ثنايا كتابه.

5 - ذكر الثعلبي في مقدمته أنه بنى كتابه على أربعة عشر أساساً وعد منها: الحِكم والإشارات، يعني: التفسير الإشاري، وقد نقل شيئاً من ذلك في كتابه من كتاب شيخه أبي عبدالرحمن السلمي، الذي قال عنه الثعلبي: "قرأته كله على مصنفه أبي عبدالرحمن السلمي، فأمر لي به") كما أفاد من كتب أخرى في هذا الباب: كتفسير القرآن العظيم لسهل التستري،لكن الثعلبي لم يتابع شيخه السلمي فيما أخطأ فيه، وانتُقد بسببه، وصان تفسيره من التأويلات الرمزية التي تخالف اللغة العربية). بينما لم يلتفت الواحدي إلى شيء من ذلك، وعرفنا موقفه من تفسير السلمي فيما تقدم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير