[آية نص ابن عبد البر على الإجماع على نسخها؛ وليس الأمر كذلك!]
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[30 May 2003, 05:34 م]ـ
ذكر ابن عبدالبر مثالاً على ما نسخ حكمه وبقي رسمه وخطه.
وهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] نسختها {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (} [البقرة: 234].
ثُمَّ قال: (وهذا من الناسخ والمنسوخ المجتمع عليه) ا هـ.
والصحيح أنه قد وقع اختلاف بين العلماء في هاتين الآيتين:
- فالجمهور على أن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية.
حيث كانت العدة في الجاهليَّة وأول الإسلام حولاً، ثُمَّ نسخت بأربعة أشهر وعشراً.
- وقالت جماعة: الآية غير منسوخة.
لأن النص القرآني لم يصرح بالعدة، وإنَّما قال ذلك متاع لها إن أرادت سبعة أشهر وعشرين ليلة تقضيها في البيت، فالواجب في العدة أربعة أشهر وعشراً، وما زاد إلى الحول فهو وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت.
وهذا القول الثاني نسبه ابن جرير - رحمه الله - إلى مجاهد حيث قال ابن جرير: (وقال آخرون: هذه الآية ثابتة الحكم، لم ينسخ منها شيء) ثُمَّ ذكر من قال ذلك، وذكر بسنده عن مجاهد في قول الله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] قال: كانت هذه للمعتدة، تعتد عند أهل زوجها، واجباً ذلك عليها، فأنزل الله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ"} إلى قوله: {مِن مَّعْرُوفٍ)} [البقرة: 240] قال: جعل الله لهم تمام السنة، سبعة أشهر وعشرين ليلة، وصية: إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت، وهو قول الله تعالى ذكره: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ" فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} قال: والعدة كما هي واجبة.
قال ابن كثير - رحمه الله -: (وهذا القول له اتجاه وفي اللفظ مساعدة له، وقد اختاره جماعة منهم الإمام أبو العباس ابن تيمية، وردّه آخرون منهم الشيخ أبو عمر ابن عبدالبر). ا هـ.
ولعل الراجح - والله أعلم - من هذين القولين هو القول بعدم النسخ، ويؤيد ذلك ما يلي:
أولاً: ثبوت هذا القول عن مجاهد، وهو مَن هو في التفسير، وإذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.
ثانياً: مساعدة اللفظ له، كما ذكر ذلك ابن كثير - رحمه الله -، ومن ذلك أنه قال في آية الحول: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ)} وقال في آية الأربعة أشهر وعشرة: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)} فلابد من بلوغ الأجل حتى ينتفي الحرج، وهذا واضح لمن تأمله.
ثالثاً: لما قرّره ابن عبدالبر نفسه من أنه لاينبغي لعالم أن يجعل شيئاً من القرآن منسوخاً إلاَّ بتدافع يمنع من استعماله وتخصيصه، ومن أنه لايحكم بنسخ شيء من القرآن إلاَّ ما قام عليه الدليل الذي لا مدفع له، ولايحتمل التأويل، ومن أنه لايقطع بنسخ شيء من القرآن إلاَّ بدليل لا معارض له أو إجماع.
وهذه القواعد الصحيحة التي قررها لاتنطبق على آية البقرة التي ادّعى الإجماع على أنها منسوخة، وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَ! جًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ" ... } الآية.
قال الشيخ السعدي - رحمه الله - بعد أن ذكر قول أكثر المفسرين من أن الآية السابقة منسوخة قال: (وهذا القول لا دليل عليه، ومن تأمل الآيتين، اتضح له أن القول الآخر في الآية هو الصواب، وأن الآية الأولى في وجوب التربص أربعة أشهر وعشراً على وجه التحتيم على المرأة، وأمَّا في هذه الآية فإنها وصية لأهل الميت، أن يبقوا زوجة ميتهم عندهم حولاً كاملاً، جبراً لخاطرها، وبراً بميتهم) ا هـ.
وبهذا نعلم أن ما قاله ابن عبدالبر من أن هذا من الناسخ والمنسوخ المجتمع عليه فيه نظر، ولعله لم يطلع على قول مجاهد.
وقد جاء تفصيل هذه المسألة هنا على هذا الرابط ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=25)
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[25 Jun 2004, 01:09 ص]ـ
هل يمكن أن نعتذر للإمام ابن عبدالبر، ونقول: لعله يقصد بقوله: (وهذا من الناسخ والمنسوخ المجتمع عليه) المعنى العام للنسخ؟
ـ[مرهف]ــــــــ[26 Jun 2004, 01:17 ص]ـ
بسم الله
أرى بالتدقيق في كلام ابن عبد البر (وهذا من الناسخ والمنسوخ المجتمع عليه) أنه أراد الاتفاق لا الاجماع المتعارف عليه وهو عدم المخالف فما رأيكم.
¥