تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[حوار علمي في تفسير آية؛ فهل من حكم يفصل الخطاب؟]

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[26 Jun 2003, 01:07 ص]ـ

بسم الله

هذا حوار علمي دار بيني وبين أحد طلبة العلم، أنقله لكم بنصه، راغباً التعقيب بما يثري هذا الحوار:

قال السائل:

قوله تعالى: "لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ"

هل محادَّة الله ورسوله في هذه الآية الكريمة شيء زائد على مجرد الكفر كالمحاربة مثلا؟

أو هي الكفر نفسه؟

وكيف يمكن الجمع بين الآيات الناهية عن موادة الكفار، وبين قوله تعالى في شأن الأزواج: "وجعل بينكم مودة ورحمة" في حال زواج المسلم من كتابية؟

وهل قوله تعالى: "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى" فيه إثبات مشروعية نوع موادة بين المسلم والكافر النصرانيّ؟

سامحونا على التطويل، ولا بأس أن تتوسعوا في الإجابة إذا شئتم .. سددكم الله للصواب، ونفعنا بكم، ووفقنا وإياكم لكل خير.

فأجبت:

بسم الله الرحمن الرحيم

(وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)

أولاً - معنى المحادة لله ولرسوله:

بعد قراءة وتأمل ما ذكره بعض العلماء من المفسرين واللغويين وغيرهم في معنى المحادة ظهر لي أنهم على قسمين:

القسم الأول: يرى أن المحادة تكون بمجرد المخالفة بأن يكون في حدٍّ والطرف الآخر في حدٍّ آخر، والحد هو الطرف. وعلى هذا فكل الكفار داخلون فيمن حاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

القسم الثاني: يرى أن المحادة أمر زائد على مجرد الكفر، فالمحادون لله ولرسوله هم الكفار المحاربون لله ولرسوله، الصادون عن سبيله، المجاهرون بالعداوة والبغضاء. بخلاف المسالمين لنا من أهل الذمة وغيرهم. وقد صرح القاسمي في تفسيره محاسن التأويل بهذا في تفسيره لآية المجادلة التي سألت عنها.

والذي يظهر لي - والله أعلم - بعد التأمل والسؤال أن المحادة تشمل الأمرين، وأنها درجات مختلفة؛ فالكافر محاد لله ورسوله بكفره، ومن حارب المسلمين وأظهر عداوتهم وصد عن سبيل الله فهو موغل في المحادة.وبين هذا وذاك مراتب متعددة كما هو الواقع.

وعليه فإن موادتهم جميعاً لا تجوز بحال من الأحوال، لأن الموادة هي المحبة، والمحبة لا تكون للكفار بحال من الأحوال، لأن الله أخبر في آية المجادلة بأنه لا يمكن أن يوجد من يؤمن بالله واليوم الآخر ويواد من حاد الله ورسوله؛ لأن المؤمن الحقيقي لا يمكن أن يحمله إيمانه على موادة هؤلاء.

ثانياً - إذا تقرر ما سبق فما القول في آية الروم، وهي قوله تعالى في شأن الزوجين: (وجعل بينكم مودة ورحمة) إذا كانت الزوجة كتابية كافرة؟

الجواب من وجوه:

الأول: أن هذا من حيث الأصل في الزواج، وهو أن يكون بين المسلمين.

الثاني: إذا كانت الزوجة كافرة فالأصل عدم مودتها لكفرها؛ ولكن لو حصل ميل طبيعي إليها وفيه نوع مودة لها من أجل إحسانها إليه ولما بينهما من العشرة والأولاد فهذا يدخل في الحب الطبيعي والمودة الطبيعية التي لا يلام عليها الإنسان، ومع ذلك فيجب عليه أن يبغضها لما فيها من الكفر.

ثالثاً- وأما سؤالك أخي عن قول الله تعاى عن النصارى: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ... ) فالجواب عنها واضح والحمد لله فلو قرأت أخي تكملة الآية والآيتين اللتين بعدها لتبين لك أن المراد بالنصارى هنا: من آمن منهم كالنجاشي وغيره ممن آمن منهم.

وأما النصارى الكفار فقد قال الله في شأنهم: (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ... ) الآية

رابعاً - إتماماً لما ذكرته سابقاً؛ أقول: روى الإمام النسائي في تفسيره لقوله تعالى: (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ... ) المائدة 83 بسنده عن عبدالله بن الزبير قال: نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه. وقرأ الآية. [قال محققا الكتاب: إسناده صحيح.

والأثر أخرجه ابن جرير أيضاً في تفسيره.

فهذا الأثر يدل على ما ذكرته سابقاً أن المقصود بالنصارى الذين هم أقرب مودة للمؤمنين من آمن منهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير