تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مُلَحُ التفسير ولطائفه (1)

ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[24 Jun 2003, 04:11 م]ـ

مُلَحُ التفسير ولطائفه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد، فقد أحببت أن أُشْرِكَ إخواني في الملتقى معي في موضوع حيوي يحرص عليه كثير ممن يقرأ في كتب التفسير، وهي ما يسمى بلطائف التفسير، أو ملحه، أو نكته، وقد يتوسَّع بعضهم فيسمِّيها فوائد، مع أن الفوائد أوسع مدلولاً من المصطلحات السابقة.

وما سأكتبه لكم إنما هو مفتاح لهذا الموضوع، ولا يبعد أن لو أخذه باحث وفتَّق أكمامه لخرج بزهر كثير، وثمر وفير، فكم من موضوع ينظر إليه ناظر مبدعٌ فيزيد وفيه، ثم يبدئ ويعيد، فإذا هو أمام موضوع مبتكر جديد؛ ينافس بجدَّتِه، ويعجبُ ناظره بجودته.

وسأجعل الموضوع على مسائل:

المسألة الأولى: تحليل المصطلحات السابقة:

أولاً: اللطائف:

ترجع مادة (لطف) إلى معنيين:

الأول: الدقة أو الخفاء، وهذا باب (لَطُفَ) بضم الطاء.

والثاني: الرفق، وهذا باب (لَطَفَ) بفتح الطاء.

ويجوز أن يكون المعنيان مرادين في اللطائف، وتكون تسميتها باللطائف لما فيها من الخفاء الذي لا يُدرك إلا بإمعان نظر، أوللترفُّقٍ في الوصول إلى اللطيفة، أو لاجتماعهما معًا فيها.

ثانيًا: المُلحُ:

سمِّيت مُلَحًا لما فيها من الغرابة التي يستعذبها القارئ ويستلذُّها حتى تستولي على لُبِّهِ. قال الراغب في المفردات: ((ثمَّ استُعير من لفظ المِلح الملاحةُ، فقيل: رجل مليحٌ، وذلك يرجع إلى حسنٍ يغمض إدراكه)).

وكذا مُلَحُ الكلام وطرائفُه استعيرت من هذا الباب، ويظهر أنها أشبهت بحسنها الملح الذي يُحسِّنُ طعم الطعام ويزيِّنه.

ثالثًا: النُّكت:

سُمِّيتَ نُكتًا، لأنها تؤثِّر على لُبِّ قارئها، فأصل النَّكت يرجع إلى معنى التأثير اليسير على الشي، كما قال ابن فارس في مقاييس اللغة، ومن نكت الأرض: إذا ضربها بقضيب، فضربها بالقضيب يُحدِث أثرًا فيها، ومن قوله صلى الله عليه وسلم: ((نُكِتَ في قلبه نُكتةٌ سوداء))؛ لأنَّ الذنب يؤثر في القلب، فيكون من أثره نقطة سوداء تصير على القلب، والله أعلم.

وبعد هذا، فإن في التحليل اللغوي ما يحتاج إلى زيادة إفصاح وبحث، لكني جعلته مدخلاً لهذا الموضوع الذي يرغب فيه كثيرٌ من قارئ التفسير، وتراه يأخذُ بمجامع لُبِّهم، والله الموفق.

المسألة الثانية:مقام المُلح من العلم:

ذكرها الشاطبي في الموافقات (تحقيق:مشهور سلمان: 1: 107) المقدمة التاسعة من مقدمات كتابه، فقال: ((من العلم ما هو صُلْبٌ، ومنه ما هو مُلَحُ العلم لا من صُلبِه، ومنه ما ليس من صلب العلم ولا مُلَحه)). وقد فصَّل هذه الثلاثة، فارجع إليها تكرُّمًا.

المسألة الثالثة: قواعد في اللطائف والمُلَح والنكت:

أولاً: النكت لا تتزاحم.

المراد بذلك أنَّ اللفظة الواحد أو الجملة الواحدة يمكن أن تحتوي على أكثر من نكته، وهذه النكت لا تتعارض فيما بينها، وهي صحيحة كلُها، فيجوز أن تكون كلُّ هذه النُّكت مرادةً بهذا اللفظ أو هذه الجملة، ومن أمثلة ذلك:

قال الآلوسي: ((… ((فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا)) إخبار عن عاجل أمرهم وآجله من الضحك القليل في الدنيا والبكاء الكثير في الأخرى.

وإخراجه في صورة الأمر للدلالة على تحتم وقوع المخبر به، وذلك لأن صيغة الأمر للوجوب في الأصل والأكثر، فاستعمل في لازم معناه.

أو لأنه لا يحتمل الصدق والكذب بخلاف الخبر؛ كذا قرره الشهاب، ثم قال: فإن قلت: الوجوب لا يقتضي الوجود، وقد قالوا: إنه يعبر عن الأمر بالخبر للمبالغة لاقتضائه تحقق المأمور به، فالخبر آكد، وقد مرَّ مثله، فما باله عكس؟

قلت: لا منافاة بينهما كما قيل؛لأن لكل مقام مقالا، والنكت لا تتزاحم، فإذا عبر عن الأمر بالخبر لإفادة أن المأمور لشدة امتثاله كأنه وقع منه ذلك، وتحقق قبل الأمر كان أبلغ.

وإذا عبر عن الخبر بالأمر لإفادة لزومه ووجوبه كأنه مأمور به أفاد ذلك مبالغة من جهة أخرى)) (روح المعاني 10: 152)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير