[مفهوم الأحرف السبعة التى نزل عليها القرآن]
ـ[الخطيب]ــــــــ[27 Jun 2003, 05:23 م]ـ
أ. د/ أحمد سعد الخطيب
مسألة الأحرف السبعة التى نزل عليها القرآن من المسائل التى كثر الجدل حول بيان حقيقة المراد منها، حيث تعددت الآراء فى ذلك لدرجة أن بعضهم حصر من ذلك أربعين قولا، وفرَّ بعضهم من الخوض فى بيانها مدعيا أن ما ورد فى ذلك من أحاديث مشكل، يعسر فهمه.
والحرف فى اللغة: يطلق لفظ الحرف فى اللغة على عدة معان منها: ذروة الشئ وأعلاه، ومنه حرف الجبل أى قمته، ويطلق أيضا على حرف التهجى، وعلى طرف الشئ، وعلى الوجه، وهو المناسب لموضوعنا.
آراء العلماء حول المراد بالأحرف السبعة:
لقد وردت آراء كثيرة حول هذا الموضوع نختار منها هاهنا أشهرها وأهمها:
1 - قيل: الأحرف السبعة هى سبع لغات متفرقة فى القرآن كله وهى لغات قبائل من العرب على معنى أن بعض القرآن نزل بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن ... وهكذا، واختار هذا الرأى أبوعبيد القاسم بن سلام وثعلب وابن عطية وآخرون0 ودليلهم عدم معرفة بعض الصحابة القرشيين لبعض ألفاظ القرآن إلا من بعض العرب كما وقع لابن عباس فى كلمة (فاطر) حيث روى عنه أنه قال: لم أكن أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدأتها0 وأجيب عن ذلك بأن عدم معرفة ابن عباس لمعنى هذه الكلمة لا يدل على أن اللفظة غير قرشية لجواز أن يكون قد غاب معناها فقط عن ابن عباس وليس بلازم أن يحيط المرء بكل معانى لغته أو بألفاظها، بل قيل: اللغة لا يحيط بها إلا معصوم.
ويضاف إلى ذلك أن التوسعة ورفع الحرج والمشقة المقصود من الأحرف السبعة لا يتفق وهذا الرأى لأنه يترتب عليه أن يكون القرآن الكريم أبعاضا، وأن كل بعض بلغة، ويلزم من ذلك أن كل شخص لا يقرأ من القرآن إلا ما نزل بلغته.
2 - وقيل: الأحرف السبعة هى سبعة أوجه، هى الأمر والنهى والوعد والوعيد والجدل والقصص والأمثال، أو هى: الأمر والنهى والحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال0 ورد هذا الوجه بأن التوسعة كما هو مفهوم من الأحاديث والروايات الواردة فى نزول القرآن على سبعة أحرف هى خاصة بالألفاظ وليس بالمعانى، وذلك بأن تقرأ الكلمة على وجهين أو ثلاثة، ولا يمكن أن تكون التوسعة فى تحريم حلال ولا فى تحليل حرام، ولا فى تغيير شئ من المعانى المذكورة.
3 - وقيل: الأحرف السبعة هى القراءات السبع0 وهذا قول واه سببه اتحاد العدد بين الأحرف السبعة والقراءات التى اعتمدها ابن مجاهد (ت 324هـ) وجمعها وهى قراءات سبع لقراء سبعة، والواقع أن الأحرف السبعة أعم من القراءات السبع لأنها تشملها وتشمل غيرها، ومما يدل على قلة إدراك أصحاب هذا القول هو أن هؤلاء القراء السبعة لم يكونوا قد ولدوا وقت أن قال النبى صلى الله عليه وسلم: " أنزل القرآن على سبعة أحرف " فهل معنى ذلك أن هذا الحديث كان عاريا عن الفائدة وبعيدا عن الواقع إلى أن ظهر هؤلاء القراء؟ وماذا فهم الصحابة إذن من الحديث؟ وممن ينسب إليهم هذا القول الخليل بن أحمد الفراهيدى (ت170هـ)
وتوجيه موقف الخليل بن أحمد هذا لا يتناسب والتعليل السابق الذى يُرجع السبب فى هذا اللبس الذى يخلط بين القراءات السبعة والأحرف السبعة، إلى جمع ابن مجاهد (ت324 هـ) للقراءات السبع، ومن ثم يقول أحد الباحثين، وهو الدكتور محمد الحبش: وأحب هنا أن أوضح رأي العلامة الجليل الخليل بن أحمد الفراهيدى، فهو بلا ريب إمام العربية وحجة النحاة، ولاشك أن انفراده بالرأى هنا لم ينتج من قلة إحاطة أو تدبر، ومثله لا يقول الرأى بلا استبصار، وانفراد مثله برأي لا يلزم منه وصف الرأي بالشذوذ أو الوهن.
وغير غائب عن البال أن الخليل بن أحمد الفراهيدى الذي توفي عام 170 هـ لم يدرك عصر تسبيع القراءات، حيث لم تشتهر عبارة القراءات السبع إلا أيام ابن مجاهد، وهو الذي توفي عام 324 هـ.
¥