تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم إن ابن جرير وإن التزم في تفسيره ذكر الروايات بأسانيدها، إلا أنه في الأعم الأغلب لا يتعقب الأسانيد بتصحيح ولا تضعيف، لأنه كان يرى ـ كما هو مقرر في أصول الحديث ـ أن من أسند لك فقد حملك البحث عن رجال السند ومعرفة مبلغهم من العدالة أو الجرح، فهو بعمله هذا قد خرج من العهدة ومع ذلك فابن جرير يقف من السند أحيانًا موقف الناقد البصير، فيعدل من يعدل من رجال الإسناد، ويجرح من يجرح منهم، ويرد الرواية التي لا يثق بصحتها، ويصرح برأيه فيها بما يناسبها، فمثلاً نجده عند تفسيره لقوله تعالى في الآية (94) من سورة الكهف: ( .. فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدًا) يقول ما نصه: " روى عن عكرمة في ذلك ـ يعني في ضم سين سدًا وفتحها ـ ما حدثنا به أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن هرون، عن أيوب، عن عكرمة قال: ما كان من صنعة بني آدم فهو السَّد يعني بفتح السين، وما كان من صنع الله فهو السُّد،ثم يعقب على هذا السند فيقول: وأما ما ذكر عن عكرمة في ذلك، فإن الذي نقل ذلك عن أيوب هرون، وفي نقله نظر، ولا نعرف ذلك عن أيوب من رواية ثقاة أصحابه " أ. هـ.

موقفه من القراءات:

كذلك نجد أن ابن جرير يعنى بذكر القراءات وينزلها على المعاني المختلفة، وكثيرًا ما يرد القراءات التي لا تعتمد على الأئمة الذين يعتبرون عنده وعند علماء القراءات حجة، والتي تقوم على أصول مضطربة مما يكون فيه تغير وتبديل لكتاب الله، ثم يتبع ذلك برأيه في آخر الأمر مع توجيه رأيه بالأسباب، فمثلاً عند قوله تعالى في الآية (81) من سورة الأنبياء (ولسليمان الريح عاصفة) يذكر أن عامة قراء الأمصار قرءوا (الريح) بالنصب على أنها مفعول لـ "سخرنا" المحذوف، وأن عبد الرحمن الأعرج قرأ (الريح) بالرفع على أنها مبتدأ ثم يقول: والقراءة التي لا استجيز القراءة بغيرها في ذلك ما عليه قراء الأمصار لإجماع الحجة من القراء عليه.

سبب عناية ابن جرير بالقراءات:

ولقد يرجع السبب في عناية ابن جرير بالقراءات وتوجيهها إلى أنه كان من علماء القراءات المشهورين، حتى أنهم ليقولون عنه: إنه ألف فيها مؤلفًا خاصًا في ثمانية عشر مجلدًا، ذكر فيه جميع القراءات من المشهور والشواذ وعلل ذلك وشرحه، واختار منها قراءة لم يخرج بها من المشهور، وإن كان هذا الكتاب قد ضاع بمرور الزمن ولم يصل إلى أيدينا، شأن الكثير من مؤلفاته.

تقديرة الاجماع الائمة

كذلك نجد ابن جرير في تفسيره يقدر إجماع الأمة، ويعطيه سلطانًا كبيرًا في اختيار ما يذهب إليه من التفسير، فمثلاً عند قوله تعالى في الآية (230) من سورة البقرة (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره) يقول ما نصه: " فإن قال قائل: فأي النكاحين عنى الله بقوله: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره؟ النكاح الذي هو جماع؟ أم النكاح الذي هو عقد تزويج؟ قيل كلاهما؛ وذلك أن المرأة إذا نكحت زوجًا نكاح تزويج ثم لم يطأها في ذلك النكاح ناكحها ولم يجامعها حتى يطلقها لم تحل للأول، وكذلك إن وطئها واطئ بغير نكاح لم تحل للأول؛ لإجماع الأمة جميعًا، فإذا كان ذلك كذلك " فمعلوم أن تأويل قوله: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره، نكاحًا صحيحًا، ثم يجامعها فيه: ثم يطلقها، فإن قال: فإن ذكر الجماع غير موجود في كتاب الله تعالى ذكره، فما الدلالة على أن معناه ما قلت؟ قيل: الدلالة على ذلك إجماع الأمة جميعًا على أن ذلك معناه ".

تحاكمة الي المصطلحات النحوية

تاثر ابن جرير بنحاة الكوفين و كلام العرب، ذلك أنه اعتبر الاستعمالات اللغوية بجانب النقول المأثورة وجعلها مرجعًا موثوقًا به عند تفسيره للعبارات المشكوك فيها، وترجيح بعض الأقوال على بعض.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير