حيث قال: أقسم بالقلم تعظيماً له، لما في خلقه وتسويته من الدلالة على الحكمة العظيمة، ولما فيه من المنافع والفوائد التي لا يحيط بها الوصف.
وعلل الزركشي الإقسام بها بأن العرب كانت تعظمها وتقسم بها، فنزل القرآن على ما يعرفون.
وأتى جلال الدين السيوطي بصيغة ثالثة للمبدأ العام، قصر فيها المقسم به على المعظمات، فقال: لا يكون القسم إلا باسم معظم.
والدكتور عبدالله شحاته رحمه الله ذهب إلى أن العلماء والمفسرين ذهبوا إلى أن الله أقسم بمخلوقاته لبيان نواحي العظمة فيها، وجلال قدرها.
وذكر الزمخشري أن المراد بالإقسام في سورة التين: الإبانة عن شرفها.
وذكر أبو القاسم عبدالكريم بن هوازن القشيري في كتابه (كنز اليواقيت): القسم بالشيء لا يخرج عن وجهتين:
- إما لفضيلته، كقوله: (وطور سينين * وهذا البلد الأمين).
- أو لمنفعته كقوله: (والتين والزيتون).
وجعل القرطبي القسم تنبيها على الفضل.
وأتى محمد بن علي الشوكاني بالأمر في صورة قاعدة عامة، فقال: ما من شيء أقسم الله به إلا وفي ذلك دلالة على فضله على جنسه.
وعلل الطوسي الإقسام بهذه الأشياء مرة بعظم النفع أو الفائدة فيها، وهداية النفوس إلى تدبير مصالحها، وأخرى بالتنبيه على كثرة الانتفاع بها.
وسبق أن القشيري والزمخشري يجعلان مجرد المنفعة أحد علتي الإقسام بها.
وقال الرازي: اعلم أنه تعالى ينبه عباده دائماً بأن يذكر في القسم أنواع مخلوقاته المتضمنة للمنافع العظيمة، حتى يتأمل المكلف فيها، ويشكر عليها. وعللها أكثر من مرة بما فيها من منافع الدنيا والدين. ثم شرح هذه المنافع ووضعها في قاعدة عامة، نصها:
اعلم أن هذه الأشياء التي أقسم الله بها لابد أن يكون فيها إما فائدة دينية مثل كونها دلائل باهرة على التوحيد، أو فائدة دنيوية توجب بعثاً على الشكر أو مجموعهما.
وذهب القرطبي إلى أن القسم بهذه الأشياء تكرمة لها.
وأتى الدكتور محمد أبو شهبة بالأمر في صورة قاعدة عامة: فقال: قد يكون القسم لمنزلته وإظهار كرامته عند الله.
وقال ابن القيم: قال جماعة من المفسرين: أقسم الله بالتين والزيتون لمكان العزة فيهما.
وقال طنطاوي جوهري: أقسم الله بهذه الأشياء إذ رأى نوع الإنسان يقسم بما عز عليه.
وخرج عن هذا الرأي السابق اثنان، دافع كل منهما عن رأيه دفاعاً مستفيضاً، وهما العلامة عبدالحميد الفراهي صاحبنا، والدكتورة عائشة بنت عبدالرحمن الشهيرة ببنت الشاطئ، في كتابها (الإعجاز البياني للقرآن ومسائل نافع بن الأزرق). المطبوع بدار المعارف بالقاهرة.
أما الفراهي فقد صرح في بداية كتابه بأنه ألفه من أجل ثلاثة مقاصد، كان الأول منها إبطال الظن بأن القسم مشتمل على تعظيم المقسم به لا محالة، ذلك الظن الباطل الذي صار حجاباً على فهم أقسام القرآن، ومنشأ للشبهات.
فأصل القسم – عنده – ليس في شيء من التعظيم. واستدل لذلك بما يلي:
للقسم كلمات ليست في شيء من تعظيم المقسم به.
ربما أقسم القرآن بما ليس فيه شرف، وما ليس من الجلالة بحيث يقسم بها خالقها، إن كان الإقسام بها لأجل شرفها.
التعظيم من عوارض القسم.
وكشف عن السبب فيما وصفه بالظن الباطل، فقال: وإذ كانت الشهادة بالله أكبر الشهادات، كثر القسم بها. ولذلك ظن من قل التفاته إلى أساليب الكلام وفنون بلاغته أن الإشهاد لا يكون إلا بالمعبود، وعلى جهة التعظيم.
وخلص إلى أن القسم نوعان متباينان:
· أقسام بصفات الله.
· وأقسام بالمخلوقات.
ولا يراد التعظيم من القسم إلا إذا كان بالله وشعائره. أما القسم بالمخلوقات فليس إلا لكونها آيات دالة.
كما خلص إلى أن في أسلوب القسم خصوصية تشبه ما في بعض الأساليب الأخرى، كما نرى – مثلاً – تأكيد الإثبات والإنكار بأسلوب الاستفهام أو التعجب، في أكثر الألسنة، أو تأكيد التعجب بالنداء.
وذهب الدكترو حسين نصار إلى أن الذي جعل الفراهي يذهب هذا المذهب هو خلطه بين التعظيم والتقديس والعبادة.
واستنبط ذلك من قوله: المقسم به في هذه الأقسام – وإن كان عند المتكلم كريماً ومضنوناً به – لكنه لا يكون مما يعبده ويقدسه، وأمثال هذا القول.
والفراهي رحمه الله – وإن كان من علماء الهند – إلا أنه ضليع في لغة العرب، قل أن يفوته مثل هذا الفرق الظاهر بين هذه العبارات كما ظن الدكتور حسين نصار.
وأما الدكتورة بنت الشاطئ فقد ذهبت إلى أن جمهرة المفسرين اتجهوا بالأقسام إلى تعظيم المقسم به، ثم مضوا يلتمسون وجه هذه العظمة.
وأكثر ما ذكروه يدخل في الحكمة، وهي تختلف تماماً عن العظمة. فما من شيء في الكون خلق عبثاً. وكل ما خلقه الله، خلقه لحكمة ظاهرة لنا أو خفية علينا.
أما العظمة فلا يهون القول بها لمجرد لمح وجه لظاهر الحكمة في المقسم به.
ثم إنهم لم يراعوا القيد في المقسم به.
واضطربوا كذلك في ربط القسم بهذه الواو بجواب قسمه. فأين الصلة بين عظمة العاديات ضبحا، وبين كنود الإنسان لربه، وبعثرة ما في القبور.
وأخيرا خلصت إلى ما يشبه ما ذهب إليه الفراهي رحمه الله.
فقد صرحت بأن الذي أطمأنت إليه – بعد طول التدبر للسياق – هو أن الواو في هذا الأسلوب قد خرجت عن أصل معناها اللغوي الأول في القسم للتعظيم إلى معنى بلاغي.
انتهى النقل من كتاب (القسم في القرآن) للدكتور حسين نصار، مع بعض التصرف وهو كتاب ثمين في الناحية التاريخية لموضوع القسم في القرآن الكريم، وله وقفات كثيرة مع الفراهي رحمه الله
وللحديث صلة إن شاء الله، مع رجاء المشاركة في الموضوع وفقكم الله.
¥