ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[14 Apr 2003, 02:54 ص]ـ
أسباب النزول للواحدي
الواحدي هو الإمام الكبير اللغوي النحوي المفسر أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي النيسابوري. المتوفى سنة 468هـ رحمه الله.
ويعد هذا الكتاب من أوائل الكتب المصنفة في أسباب النزول وأشهرها. حتى إنه اشتهر الواحدي بهذا الكتاب، مع إن له غيره من الكتب التي تعد أعمق منه كالبسيط والوسيط والوجيز ثلاثتها في التفسير، وشرح ديوان المتنبي.
ومعظم الذين جاءوا بعده أخذوا من كتابه وعولوا عليه. يقول رحمه الله في مقدمته: (وبعد هذا فإن علوم القرآن غزيرة وضروبها جمة كثيرة ... غير أن الرغبات اليوم عن علوم القرآن صادقة كاذبة فيها، قد عجزت قوى الملام عن تلافيها، فآل الأمر بنا إلى إفادة المبتدئين المتسترين بعلوم الكتاب إبانة ما أنزل فيه من الأسباب؛ إذ هي أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها؛ لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان نزلها. ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب، وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار ... والسلف الماضون رحمهم الله كانوا من أبعد الغاية احترازاً عن القول في نزول الآية. ... وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئاً ويختلق إفكاً وكذباً ملقياً زمامه إلى الجهالة غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب الآية وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن والمتكلمون في نزول القرآن فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب ولا بد من القول أولاً في مبادئ الوحي وكيفية نزول القرآن ابتداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعهد جبريل إياه بالتنزيل والكشف عن تلك الأحوال والقول فيها على طريق الإجمال ثم نفرع القول مفصلاً في سبب نزول كل آية روى لها سبب مقول مروي منقول والله تعالى الموفق للصواب والسداد والآخذ بنا عن العاثور إلى الجدد).
مآخذ العلماء على هذا الكتاب:
- اشتماله على روايات ضعيفة ورد أغلبها عن طريق الكلبي التي هي من أوهى الطرق عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، ويسميها علماء الحديث سلسلة الكذب.
- اشتماله على روايات لا تمت إلى أسباب النزول بصلة. مثل قوله إن سبب نزول سورة الفيل هو قدوم الحبشة لهدم الكعبة، فإن ذلك ليس من اسباب النزول في شيء، بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية. لأن سبب النزول هو ما نزلت الآية أو الآيات مبينة لحكمه وقت وقوعه).
- عدم استيعابه للروايات التي وردت في أسباب النزول.
- أنه ورد فيه روايات عن الصحابة هي من قبيل التفسير للآية وليست من قبيل سبب النزول.
طبعات الكتاب:
طبع كتاب الواحدي طبعات عديدة، أجودها ما قام على تحقيقه العلامة السيد أحمد صقر رحمه الله، فقد حققها تحقيقاً بديعاً كعادته، وضبط النص ضبطاً تاماً، ولكنه لم يخرج الروايات تخريجاً على طريقة أهل الحديث، فلم يكن ذلك من صناعته رحمه الله. ففات على القارئ لنشرته معرفة المقبول من المردود من تلك الروايات في الغالب. ثم حققه الشيخ عصام الحميدان وفقه الله قريباً وخرج الكثير من الروايات، وحكم عليها، وإن كان لم يستوعب.
بعض المؤلفات التي دارت حول هذا الكتاب:
ولأهمية كتاب الواحدي رحمه الله، اختصره الجعبري بحذف أسانيده ولم يزد عليه شيئاً، ثم جاء الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله بعد أن رأى عكوف الناس عليه فصنف اعتماداً عليه كتابه (العجاب في بيان الأسباب) متتبعاً فيه الإمام الواحدي في كتابه أسباب النزول، وروى في خطبة كتابه كلام الواحدي في مقدمته ثم علق على ذلك بقوله: (فوجدته رحمه الله – أي الواحدي – قد وقع فيما عاب من إيراد كثير من ذلك بغير إسناد، مع تصريحه بالمنع إلا فيما كان بالرواية والسماع.
ثم فيما أورده بالرواية والسماع ما لا يثبت لوهاء بعض رواته، ثم اقتضاه كلامه أن الممنوع أن يساق الخبر من غير رواية دون أن يساق برواية أو سماع لا يكون فيه ذلك، ليس بمسلم طرداً ولا عكساً، بل المحذور أن يكون الخبر من رواية من لا يوثق به سواء ساق المصنف سنده به أم لم يسقه، فكم من سند موصول برواية كذاب أو متروك أو فاحش الغلط، وكم من خبر يذكر بغير سند، وينبه على أنه من تصنيف فلان – مثلاً – بسند قوي.
أفيرتاب من له معرفة أن الاعتماد على الثاني هو الذي يتعين قبوله؟؟ أو يشك عالم أن الاعتماد على الأول هو الذي يتعين اجتنابه؟؟
ثم إن ظاهر كلامه أنه استوعب ما تصدى له، وقد فاته منه شيء كثير، فلما رأيت الناس عكفوا على كتابه، وسلموا له الاستبداد بهذا الفن من فحوى خطابه تتبعت – مع تلخيص كلامه – ما فاته محذوف الأسانيد غالباً، لكن مع بيان حال ذلك الحديث من الصحة والحسن والضعف والوهاء قصد النصح للمسلمين، وذباً عن حديث سيد المرسلين، ولا سيما فيما يتعلق بالكتاب المبين.
فأبدأ غالباً بكلام الواحدي، ثم بما استفدته من كلام الجعبري، ثم بما التقطته من كتب غيرهما من كتب التفاسير، وكتب المغازي، وكتب المسانيد والسنن والآثار، وغير ذلك من الأجزاء المتفرقة، ناسباً كل رواية لراويه، وكل مقالة لمخرجها، ثم لا أذكر من الزيادات ما هو سبب نزول بادىء الرأي، لا ما يكون من هذا القبيل بضرب من تأويل، وقد أورد الواحدي من ذلك أشياء ليست بكثيرة، فلم أحذف منها شيئاً، بل جعلت علامة ما أزيده (ز) يكتب على أول القول، وأما ما أزيده في أثناء كلامه، فهو بغير علامة، لكن ربما عرف إذا كان في صورة الاعتراض مثلاً).
فهذا رأي ابن حجر كما رأيت في الكتاب، وقد بنى رحمه الله كتابه عليه. وكتاب ابن حجر (العجاب في بيان الأسباب) المطبوع الذي وصل إلينا وأمكن إخراجه لم يكتمل بل وقف عند قوله تعالى: (أينما تكونوا يدرككم الموت) النساء 78.
¥