تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جريج , عن مجاهد: استيأس الرجل أن يُعَذَّبَ قومهم , وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا = (جاءهم نصرنا) , قال: جاء الرسلَ نصرنا. قال مجاهد: قال في" المؤمن " فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، قال: قولهم: " نحن أعلم منهم ولن نعذّب ". وقوله: وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ، [سورة غافر: 83]، قال: حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق. * * * قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار على خلافها. ولو جازت القراءة بذلك، لاحتمل وجهًا من التأويل، وهو أحسن مما تأوله مجاهد , وهو: حتى إذا استيأس الرسل من عذاب الله قومَها المكَذِّبة بها , وظنَّت الرسل أن قومها قد كَذَبوا وافتروا على الله بكفرهم بها = ويكون " الظن " موجِّهًا حينئذ إلى معنى العلم , على ما تأوَّله الحسن وقتادة. * * * وأما قوله: (فنجي من نشاء) فإن القرأة اختلفت في قراءته. فقرأه عامة قرأة أهل المدينة ومكة والعراق: " فَنُنْجِي مَنْ نَشَاء "، مخفّفة بنونين، < 16 - 311 > بمعنى: فننجي نحنُ من نشاء من رسلنا والمؤمنين بنا , دون الكافرين الذين كَذَّبوا رُسلنا، إذا جاء الرسلَ نصرُنا. * * * واعتلّ الذين قرءوا ذلك كذلك، أنه إنما كتب في المصحف بنون واحدة، وحكمه أن يكون بنونين , لأن إحدى النونين حرف من أصل الكلمة , من: " أنجى ينجي" , والأخرى " النون " التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال , من فعل جماعةٍ مخبرةٍ عن أنفسها، لأنهما حرفان، أعني النونين، من جنس واحدٍ يخفى الثاني منهما عن الإظهار في الكلام , فحذفت من الخط، واجتزئ بالمثبتة من المحذوفة , كما يفعل ذلك في الحرفين اللذين يُدْغم أحدهما في صاحبه. * * * وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى , غير أنه أدغم النون الثانية وشدّد الجيم. * * * وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء، على معنى فعل ذلك به من: " نجَّيته أنجّيه ". * * * وقرأ ذلك بعض المكيين: " فَنَجَا مَنْ نَشَاءُ" بفتح النون والتخفيف , من: " نجا ينجو ". * * * قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأه: " فَنُنْجِي مَنْ نَشَاءُ" بنونين , لأن ذلك هو القراءة التي عليها القرأة في الأمصار , وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها، فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من القرأة. وغير جائز خلاف ما كان مستفيضًا بالقراءة في قرأة الأمصار. * * * < 16 - 312 > قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فننجي الرسلَ ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا، كما: - 20037 - حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال حدثني عمي: قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: " فننجي من نشاء "، فننجي الرسل ومن نشاء = (ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين)، وذلك أن الله تبارك وتعالى بَعَث الرسل , فدعوا قومهم، وأخبروهم أنه من أطاع نجا، ومن عصاه عُذِّب وغَوَى. * * * وقوله (ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين)، يقول: ولا تردُّ عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا وعن القوم الذين أجرموا , فكفروا بالله، وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده. * * * خلاصة ما أورده ابن جرير رحمه الله تعالى حتى إذا استيأس الرسل وظنوا (ظن قومهم) أنهم قد كُذِبوا حتى إذا استيأس الرسل وظنوا (الرسل أنفسهم) أنهم قد كُذبوا حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِّبوا (من قبل قومهم) ورجح الطبري قراءة التخفيف لكن على تأويل أن الذين ظنوا هم القوم لا الرسل، معتمدا على قاعدة خارج السياق هي عصمة الرسل وربأ بهم عما لا يليق بهم. قلت وقد انتصرت لتأويل ابن عباس في أن القراءة الأكثر مواءمة للسياق هي (كُذبوا) بالتخفيف وأن الرسل أنفسهم هم الذين ظنوا، ومعنى ظنهم بالضبط هو معنى قولهم حين (يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) و في هذه الحالة وما أشبه، يكون المعنى العام أولى بالمصير اليه من المعنى الجزئيّ. والله أعلى وأعلم. لكننا نخلص من هذه المحاورة إلى أن الموقف من القراءات والترجيح بينها، الجرأة والإحجام عن نقدها، هو موقف معرفي في ترتيب الأولويات المعرفية، ولا أجدني مستطيعا أن أقتنع بتقديم شيء على السياق القرآني وترابط أجزائه.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير