ـ[إبراهيم الدوسري]ــــــــ[16 May 2003, 08:45 م]ـ
والمقصود بالسند: ثبوت الوجه من القراءة بالنقل الصحيح عن الثقات ([43])، وهو غير معدود عندهم من الغلط أو مما شذ به بعضهم ([44])، وقد اختلفت تعبيرات العلماء في ذلك اختلافا يوهم التناقض، فمنهم من نص على الآحاد ([45])، ومنهم من قيده بالشهرة والاستفاضة ([46])، ومنهم من صرح بالتواتر وهم الأكثرون ([47])، وقد استبان بعد النظر في أقوالهم أن الخلاف صوري، فمن نظر إلى أسانيد القراء من جهة نظرية على ما هو مذكور في أسانيد مصنفاتهم وجد كثيرا من أوجه الاختلاف تشتمل على أسانيد آحادية أو مشهورة، ومن نظر إليها من جهة الوقوع عدها متواترة وأجاب بأن انحصار الأسانيد ـ ولو كانت آحادية ـ في طائفة معينة لا يمنع مجيء القراءات عن غيرهم إذ مع كل واحد منهم في طبقته ما يبلغها حد التواتر، لأن القرآن قد تلقاه من أهل كل بلد الجم الغفير طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل، ولو انفرد أحد بوجه دون أهل تلك البلد لم يوافقه على ذلك أحد ([48]) "، ومما يدل على هذا ما قاله ابن مجاهد: قال لي قُنبل: قال لي القوّاس: ـ في سنة سبع وثلاثين ومائتين ـ الق هذا الرجل ـ يعني البَزِّي ـ فقل له: هذا الحرف ليس من قراءتنا،يعني) وما هو بميت (([49]) مخففاً، وإنما يخفف من الميت من قد مات، ومن لم يمت فهو مشدد، فلقيت البَزِّي فأخبرته فقال: قد رجعت عنه " ([50]).
وحيث إن القراءات العشر المقروء بها في هذا العصر على هذا النحو فإنها هي المتواترة، وما عداها فهو الشاذّ، إذ انقطاع الإسناد من جهة المشافهة لأي وجه من القراء مسقط له، ولو تواتر الإسناد نظريا في الكتب، وذلك أن في القراءات وجوها لا تحكمها إلا المشافهة، بله إذا صح إسناده ولم يتصل مشافهة.
والتواتر المذكور يختص بأوجه القراءات بصفة عامة، وليس كل ما كان من قبيل الأداء متواتر، بل منه الصحيح المستفاض المتلقى بالقبول، كمقادير المد الزائدة على القدر المشترك بين أهل الأداء، غير أنه ملحق بالمتواترة حكما لأنه من القرآن المقطوع به، قال الحافظ ابن الجزري (ت833 هـ): " ونحن ما ندعي التواتر في كل فرْدٍ مما انفرد به بعض الرواة أو اختص ببعض الطرق، لا يدّعي ذلك إلا جاهل لا يعرف ما التواتر؟ وإنما المقروء به عن القراء العشرة على قسمين: متواتر، وصحيح مستفاض متلقى بالقبول، والقطع حاصل بهما " ([51]).
وقال أيضا: " فإنه إذا ثبت أن شيئا من القراءات من قبيل الأداء لم يكن متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كتقسيم وقف حمزة وهشام وأنواع تسهيله، فإنه وإن تواتر تخفيف الهمز في الوقف عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتواتر أنه وقف على موضع بخمسين وجها ولا بعشرين وجها، ولا بنحو ذلك، وإنما إن صح شيء منها فوجه، والباقي لاشك أنه من قبيل الأداء " ([52]).
ولعل هذا النوع من الأوجه المختلف فيها بين القراء هو الذي جعل بعض العلماء لا يشترط التواتر.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[18 May 2003, 02:05 م]ـ
شكر الله لك يا شيخ إبراهيم هذه الدرر وأسأل الله ان يجعلها في موازين حسناتك
وهنا استفسار: هل مفهوم التواتر عند القراء هو مفهوم التواتر عند المحدثين وهل قال أحد بالفرق بينهما
ـ[خالد الباتلي]ــــــــ[18 May 2003, 10:27 م]ـ
الحمد لله وبعد
فأشكر أخي الشيخ / أحمد البريدي على هذا الاختيار لمثل هذه المسائل الدقيقة، وهنا تظهر فائدة مثل هذه المنتديات في مذاكرة العلم، في حسن تصور المسائل المشكلة التي يكون استشكالها أحيانا ناجما عن خلل في تصور المسألة، ومن ثم تجاذب الآراء في إزاحة الإشكال بأقوم سبيل وأوضح دليل.
ولقد ترددت في الكتابة على هذه المقالة – بعد الشيخين الفاضلين - متمثلا بقول العرب: لاعطر بعد عروس.
ولكن من باب المشاركة وإحياء الموضوع أقول:
يجب أن نستحضر في هذه المسألة مايلي:
1 - أن القراءن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي النازل على محمد صلى الله عليه وسلم، والقراءات: هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور.
2 - لاإشكال ولانزاع بين المسلمين في تواتر القرآن أما القراءات فوقع فيها النزاع والمشهور أنها متواترة.
3 - أن بعض من يقرر تواتر القراءات يستدل بما يفيد تواتر القرآن وهو أن القرآن قد انتشر في كل بلد وتلقاه من كل طبقة العدد الكثير عمن فوقهم وهكذا مما يتحقق به شرط التواتر، وفي هذا نظر لايخفى.
4 - أن تواتر القراءات عن الائمة السبعة مسلم، أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء السبعة فمحل نظر لأن أسانيدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم نقل آحاد كما هو موثق مدون في كتب القراءات، ولقد كان هذا مما تتوافر الدواعي على نقله وإثباته، فإذا كان النقلة يدونون الطرق الكثيرة في حديث أو أثر في مسألة ليست من أصول العلم وكباره، فما الظن في نقل كلام الله تعالى؟!
ومما يشكل على القول بتواتر جميع مافي القراءات السبع مانقله الشيخ أحمد عن ابن الجزري بقوله: وإذا أشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء السبعة وغيرهم.أ. هـ
فمواضع الاختلاف بين القراء السبعة يعد من المشهور لاالمتواتر.
5 - من الأدلة على عدم تواتر القراءات في زمنه صلى الله عليه وسلم القصة المشهورة في مخاصمة عمر مع هشام بن حكيم رضي الله عنهما، ووجه الاستدلال واضح منها.
فهذه بعض المعالم حول هذه المسألة، ووراء ذلك أمر أحق بالتحقيق وهو – فيما يظهر لي – سبب الإشكال ومنبعه وهو: تنزيل المصطلحات الحادثة وتحكيمها في العلوم الشرعية، وأعني بذلك هنا مصطلح (التواتر) فإنه مصطلح كلامي لم يستعمله السلف المتقدمون لكنه صار أصلا لايكاد يخلو منه كتاب في مصطلح الحديث، ومايتبع ذلك من إفادة المتواتر والآحاد والتفريق بين العلم النظري والضروري .. إلخ.
وهذه مسألة طويلة لعل بعض إخواننا هنا يطرقها بالعرض والنقد.
والله أعلم
انظر: الإتقان – شرح مختصر الروضة – شرح الكوكب المنير – إرشاد الفحول
¥