ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[25 Jun 2004, 01:30 ص]ـ
فائدة لها صلة بما سبق:
قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل: (فصل: وأما الصّرْف
وأما الصرف فقال تعالى:
"وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون"
فأخبر سبحانه عن فعلهم وهو الانصراف، وعن فعله فيهم وهو صرف قلوبهم عن القرآن وتدبره لأنهم ليسوا أهلاً له، فالمحل غير صالح ولا قابل، فإن صلاحية المحل بشيئين حسن فهم، وحسن قصد، وهؤلاء قلوبهم لا تفقه، وقصودهم سيئة. وقد صرح سبحانه بهذا في قوله: " ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون "
فأخبر سبحانه عن عدم قابلية الإيمان فيهم، وأنهم لا خير فيهم يدخل بسببه إلى قلوبهم فلم يسمعهم سماع إفهام ينتفعون به وإن سمعوا سماعاً تقوم به عليهم حجته، فسماع الفهم الذي سمعه به المؤمنون لم يحصل لهم.
ثم أخبر سبحانه عن مانع آخر قام بقلوبهم يمنعهم من الإيمان لو اسمعهم هذا السماع الخاص، وهو: الكبر والتولي والإعراض.
فالأول: مانع من الفهم، والثاني: مانع من الانقياد والإذعان، فأفهام سيئة وقصود رديئة، وهذه نسخة الضلال وعلم الشقاء، كما أن نسخة الهدى وعلم السعادة فهم صحيح وقصد صالح. والله المستعان.
وتأمل قوله سبحانه: "ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم"
كيف جعل هذه الجملة الثانية سواء كانت خبراً أو إعادة عقوبة لانصرافهم فعاقبه عليه بصرف آخر غير الصرف الأول، فإن انصرافهم كان لعدم إرادته سبحانه ومشيئته لإقبالهم، لأنه لا صلاحية فيهم ولا قبول، فلم ينلهم الإقبال والإذعان فانصرفت قلوبهم بما فيها من الجهل والظلم عن القرآن، فجازاهم على ذلك صرفاً آخر غير الصرف الأول كما جازاهم على زيغ قلوبهم عن الهدى إزاغة غير الزيغ الأول.
كما قال: " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم "
وهكذا إذ أعرض العبد عن ربه سبحانه جازاه بأن يعرض عنه، فلا يمكنه من الإقبال عليه. ولتكن قصة إبليس منك على ذكر تنتفع بها أتم انتفاع، فإنه لما عصى ربه تعالى ولم ينقد لأمره وأصر على ذلك، عاقبه بأن جعله داعياً إلى كل معصية، فعاقبه على معصيته الأولى بأن جعله داعياً إلى كل معصية وفروعها صغيرها وكبيرها.
وصار هذا الإعراض والكفر منه عقوبة لذلك الإعراض والكفر السابق. فمن عقاب السيئة السيئة بعدها كما أن من عقاب الحسنة الحسنة بعدها.)
و قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره:
"وفي قوله عن المنافقين: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً) بيانٌ لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين؛ وأنه بسبب ذنوبهم السابقة, يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها، كما قال: (ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)، وقال تعالى: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)، وقال تعالى: (وأما الذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجساً إلى رجسهم)؛ فعقوبة المعصية المعصيةُ بعدها, كما أنّ من ثواب الحسنة الحسنة بعدها, قال تعالى: (ويزيد الذين اهتدوا هدى) " [ص 42].